
الثلاثاء، 27 يوليو 2010
ماراثون الرئيس

الاثنين، 26 يوليو 2010
الظل المعتم

الجمعة، 23 يوليو 2010
وتتوالى جرائم النظام

الخميس، 8 يوليو 2010
كلام والسلام

الاثنين، 31 مايو 2010
هكذا إذن

الأربعاء، 19 مايو 2010
كَرَامَةُ السُّكَّانِ وحُقُوقُ المالِكِينَ

يبدوالحديث عن كرامة المصريين هذه الأيام في الداخل والخارج مشابهًا تمامًا لحديث ذلك الشيخ الذي وقف مخاطبًا الفلاحين المعدمين في إحدى قرى مصر عن حكمة العلي القدير في تحريم لبس الذَّهب والحرير على ذكور أمَّة محمَّد – صلى الله عليه وسلم -  لما في لبسهما من منافة للخشونة الواجبة للرجال ، وتبدو تساؤلاتنا عن هذه الفقيدة ، كتساؤل فلاح معدم من هؤلاء عن أصناف الحرير وأسمائه وأشكال نسيجه ؛ حتى يتحرز من الوقوع في هذا الإثم المبين . إذن ليس هناك ما يدعو إلى الحديث عن الكرامة المهدرة للمصريين في الخارج، ففي هذه الفترة الحالكة من تاريخ مصر لا يصحُّ أن نتحدثَ عن مثل هذه الأمور، حتى لا نتَّهم بالحديث في أمر غير ذي موضوع ، ذلك لأنَّ الحديثَ عن الكرامة ، سَيُسْلِمُنَا – ولاشك-  إلى مقومات هذه الكرامة والأسس التي تبنى عليها ، والضوابط التي يجب مراعتها للحفاظ عليها بعيدًا عن متناول الأطفال ، ونحن من كل ذلك – في عصر الرئيس مبارك – حفاة عراة ، لا يتكففنا النَّاس ،بل يفاخرون بقتلنا أمام شاشات التلفزة ولا يمانعون في أخذ الصور التذكارية مع جثثنا الممثل بها . فعندما تتعامل دولة مع مواطنيها على أساس أنَّهم سكان وتسمي وزارة بهذا الاسم ( وزارة الصحة والسكان ) فماذا يعني ذلك ،هل يعني ذلك أن المصريين يعاملون من قبل الدولة بوصفهم سكانًا ، تنتهي الصِّلة بهم بمغادرتهم أرض الوطن  (العين محلُّ النزاع ) ولذلك لا نرى سفيرًا أو قنصلاً مصريًا تهتز في جسده المبارك شعرة ،أو يطرف له جفن ، إذا سمع عن اختطاف مصري أو تعذيبه أو قتله ، باعتبار أنَّه ساكن مغادر ربما لم يدفع الأجرة المتأخرة ، وما يفلح فيه هؤلاء الموظفون هو تبرير تلك الأحداث الدَّامية بمبررات تتعلق بفردية هذه الافعال ، بينما شعوب العالم قاطبة تكن كل التبجيل والاحترام للشعب المصري فردًا فردًا ، اعترافًا بفضل القيادة الحكيمة والنظام  (التمرجي ) . فهل توجد دولة في العالم تعامل مواطنيها كما تعامل الدولة المصرية سكان مصر ، وربما يكون هذا الكلام هو إجابة لسؤال مفاده كيف وصل هؤلاء القتلة في لبنان واليونان ونيجيريا ومن قبل في إيطاليا وروسيا والعراق والولايات المتحدة  إلى هذه الدرجة من الاطمئنان إلى ردة فعل الدولة المصرية الهادئة الضابطة للنفس ، التي لا تكتفي بإهدار حقوق وكرامة مواطنيها في الداخل حتى تغري بهم سفاحي العالم وقتلته ومَهْوسِيه ، وكأنَّ هؤلاء القتلى المصريين في أربعة أنحاء الأرض لا يحملون جنسية بلد موجود ولو على سبيل الاعتبار، رغم أنَّهم يحملون على عواتقهم في تلك البلاد جرائر أفعال هذا النظام المبارك الذي لا يصدر عنه إلا كل ما يشين ويجلب العار تسديدًا لضريبة بقائه التي تؤدى إلى  السيد الأمريكي بمباركة الربيب الصهيوني  . وليس أبلغ من تعليق الرئيس مبارك في خطابه في يناير الماضي عقب أحداث الاعتداء على المصريين في الجزائر  أنه لا يقبل مثل ذلك على الإطلاق حيث أن (( كرامة المصريين من كرامة مصر )) هكذا إذن عرفنا أين ذهبت كلتا الكرامتين ؟ إنَّهما ترقدان الآن بسلام تحت نعال ذلك التشكيل العصابي الذي يحكم مصر كقوة احتلال ، لا تجيدُ إلا نهبَ ثروات الوطن وتتفنن في التنكيل بعموم المصريين وإذلالهم في الداخل والخارج ، حيث لا مجالَ لمساءلة مسئول ، ولا سبيل إلى استرداد حق من أيدي ناهبيه ، ناهيك عن دفع الضرعن البؤساء الذين أوقعتهم الأقدار ضحايا الانتماء إلى دولة لا هي تدول ، ولا هي تُبْقِى على الحد الأدنى من احترامها لوجودها في عالم يموجُ بدول تختلقُ المواقفَ لإثبات ذاتها وقدراتها وأذرعتها الطويلة .
الخميس، 6 مايو 2010
لزوم ما لايلزم

الخميس، 29 أبريل 2010
مصر التي في الترانزيت

الثلاثاء، 16 مارس 2010
النخب وقانون الطفو
 حقيقة كلما تأملت حال النخبة السياسية المصرية ، كلما تبادر إلى ذهني مباشرة قانون الطفو ، فأنت لاتستطيع أن تضع تعريفا جامعا مانعا لهذه الفئة من المصريين سوى أنهم يملؤن الدنيا ضجيجا في مجتمع تقريبا مصاب بالصمم ، أضف إلى ذلك أنهم وإن تحدثوا عن الليبرالية وإطلاق الحريات ، أوحقوق قوى الشعب العاملة ،إلا إنهم في حقيقتهم يتصرفون كأعضاء النادي الملكي للسيارات الذين لا يمنحون عضوية ناديهم الموقر لراكبي الدرجات الهوائية ، لأجل ذلك ولغيره من الأسباب المتعلقة بآفات الشخصية السياسية التي تندفع بقوة الطموح الخاص ، فيتضاءل أمامها الشأن العام بل ومصلحة الوطن ذاتها ، صارت هذه النخبة نمطا فريدا من البشر لم تعرف له المجتمعات المتحضرة مثيلاً ، فتراهم وهم المثقفون - افتراضًا- يسارعون بسد منافذ النور التي تهيئها الأقدار للناس ، فيسارعون بالهجوم على كل من تسول له نفسه تسويق الأمل للنفوس اليائسة ، كذلك فإنَّ من آفات هذه النخبة أنْ تتمترس في المركز وتتماهى معه ، على اعتبار أنَّه محط أنظار الكل وخاصة الميديا الإعلامية ، وباعتبار أنَّهم كائنات استثنائية لا غنى عنها ، ولأنَّ المخلوقات الطافية لا تستطيع الغوص ، كذلك فإن هذه النخبة لا قبل لها بالنزول إلى الناس لا على مستوى الخطاب ولا على مستوى الفعل ، وهم يرون أنَّ ذلك فوق طاقتهم ناهيك عن عدم مناسبته لطبيعتهم الانعزالية وإحساسهم المرهف ، كما أن الفساد والاستبداد يعدان بيئة صالحة جدا لهذه الكائنات الصوتية ، لذلك كان من المفترض أن تكون النخبة هي قائدة الشعب وآلته الماضية في التغيير ، فإذا بها عقبته الكأداء وسر شقائه الذي لا ينتهي . ولاشك أيضا أن الأزمة العامة التي تعيشها النخبة العاجية قد أفرزت أزمات أخرى متنوعة الأشكال والألوان ، فسارت أشكال التَّصَاوت على اختلافها وتباينها تؤدي نفس الدور الذي يصب – بلا شك – في مصلحة النظام ، وكان من آثار ذلك أن تعادت هذه المجموعات وتناحرت ، حتى أن أحدهم ليفخر – دون حياء- أنَّه وجماعته ما توجدوا في تجمع كذا إلا لإفساده والقضاء عليه ، ثم بعد ذلك يعجب هؤلاء وأولئك عندما تتعلق أبصار المصريين وقلوبهم بشخص بحجم وقامة الدكتور محمد مصطفى البرادعي كرمز للتغيير وبارقة أمل تتقد جذوتها في هذا الليل الحالك ، فيستكثرون عليه ذلك ، ويستكثرونه على الشعب المنكوب ، فتراهم وقد تخندقوا في نفس الخندق الذي يرسل منه كهنة النظام وكتبته قذائفهم البائسة ، وكأنَّ الجماعة المُنَخَّبَةَ قد فقدت صوابها تماما ، فرأيناهم يخرجون فيما تيسر لهم من أبواق ، وقد حملوا على الرجل الاتهام تلو الاتهام ، وكلها مما يثير الضحك والشفقة في آن ، فمن قائل أن مسلك الرجل يهيل التراب على التجربة الحزبية المصرية وزخمها المتقد طوال الثلاثين سنة الأخيرة ، رغم أن هذه التجربة وبشهادة كبار المتحزبين أنفسهم لا تحمل أدنى قدر من الاحترام الذي يسمح لها بالفخر أو المن على أحد أيما كان ، ومن ناعق بابتعاد الرجل عن واقع مصر والمصريين منذ زمن بعيد ، وكأن هذا الواقع التعس وما آل إليه الحال لا يعد سبة في جبين الجميع حكاما ومحكومين ، وهذا الابتعاد هو الميزة الفارقة - من وجهة نظري – فالرجل لم يتلوث بفساد ولا استبداد ولم يتورط في صفقات مع النظام ، فهل ذلك يعد من حسنات الرجل أم من سيئاته ، وفي الحقيقية أنهم لجهالتهم ولضحالة أفكارهم ولغبائهم المتناهي أيضا ، أخذوا يختلقون من الأكاذيب ما يمكن الرد عليه بأدنى الجهد ،كالترهات التي سيقت عن مستوى الرجل العلمي أيام دراسته ، وعن دوره في الحرب الأمريكية على العراق ، وعن أنه يحمل جنسية أخرى غير الجنسية المصرية – رغم أن نجلي الرئيس يحملان الجنسية البريطانية وبعض الوزراء يحملون جنسيات كندا وألمانيا والولايات المتحدة – والحقيقة أن ما أحدثه ظهور الدكتور البرادعي على الساحة السياسية المصرية من حراك لا يمكن أن يصب إلا في مصلحة المصريين ، فإما أن يدفع الرجل عجلة التغيير الذي طال انتظاره ، وإما أن يضغط من أجل تحسين شروط اللعبة السياسية ، وإما أن يتم مقضاة المحتكمين إلى القوانين التي تخالف كافة الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية أمام المحاكم الدولية ، وهو في كل ذلك محصن من تعرض النظام له بتلفيق الاتهامات ، وليس فيما سبق ما يصب في مصلحة النخبة التي ارتبطت ببقاء نظام مبارك ، رغم ما تبديه من معارضة ظاهرية في بعض الأحيان ، فأحيانا تستوجب الاستمالة إبداء بعض التمنع كما تعلمون- صفقات المقاعد الشاغرة في المجلس القادم أسالت لعاب الكثيرين - لهذا أرى أن مساندة الدكتور محمد مصطفى البرادعي ودعمه في مطالبه العادلة ،هو ظرف اللحظة الراهنة الملح ، فبكل المقاييس سنشهد عما قريب نهاية عصر تعيس ، وبداية عصر آخر له معطيات أخرى ، أما آن لهم أن يترجلوا من الأبراج .
 حقيقة كلما تأملت حال النخبة السياسية المصرية ، كلما تبادر إلى ذهني مباشرة قانون الطفو ، فأنت لاتستطيع أن تضع تعريفا جامعا مانعا لهذه الفئة من المصريين سوى أنهم يملؤن الدنيا ضجيجا في مجتمع تقريبا مصاب بالصمم ، أضف إلى ذلك أنهم وإن تحدثوا عن الليبرالية وإطلاق الحريات ، أوحقوق قوى الشعب العاملة ،إلا إنهم في حقيقتهم يتصرفون كأعضاء النادي الملكي للسيارات الذين لا يمنحون عضوية ناديهم الموقر لراكبي الدرجات الهوائية ، لأجل ذلك ولغيره من الأسباب المتعلقة بآفات الشخصية السياسية التي تندفع بقوة الطموح الخاص ، فيتضاءل أمامها الشأن العام بل ومصلحة الوطن ذاتها ، صارت هذه النخبة نمطا فريدا من البشر لم تعرف له المجتمعات المتحضرة مثيلاً ، فتراهم وهم المثقفون - افتراضًا- يسارعون بسد منافذ النور التي تهيئها الأقدار للناس ، فيسارعون بالهجوم على كل من تسول له نفسه تسويق الأمل للنفوس اليائسة ، كذلك فإنَّ من آفات هذه النخبة أنْ تتمترس في المركز وتتماهى معه ، على اعتبار أنَّه محط أنظار الكل وخاصة الميديا الإعلامية ، وباعتبار أنَّهم كائنات استثنائية لا غنى عنها ، ولأنَّ المخلوقات الطافية لا تستطيع الغوص ، كذلك فإن هذه النخبة لا قبل لها بالنزول إلى الناس لا على مستوى الخطاب ولا على مستوى الفعل ، وهم يرون أنَّ ذلك فوق طاقتهم ناهيك عن عدم مناسبته لطبيعتهم الانعزالية وإحساسهم المرهف ، كما أن الفساد والاستبداد يعدان بيئة صالحة جدا لهذه الكائنات الصوتية ، لذلك كان من المفترض أن تكون النخبة هي قائدة الشعب وآلته الماضية في التغيير ، فإذا بها عقبته الكأداء وسر شقائه الذي لا ينتهي . ولاشك أيضا أن الأزمة العامة التي تعيشها النخبة العاجية قد أفرزت أزمات أخرى متنوعة الأشكال والألوان ، فسارت أشكال التَّصَاوت على اختلافها وتباينها تؤدي نفس الدور الذي يصب – بلا شك – في مصلحة النظام ، وكان من آثار ذلك أن تعادت هذه المجموعات وتناحرت ، حتى أن أحدهم ليفخر – دون حياء- أنَّه وجماعته ما توجدوا في تجمع كذا إلا لإفساده والقضاء عليه ، ثم بعد ذلك يعجب هؤلاء وأولئك عندما تتعلق أبصار المصريين وقلوبهم بشخص بحجم وقامة الدكتور محمد مصطفى البرادعي كرمز للتغيير وبارقة أمل تتقد جذوتها في هذا الليل الحالك ، فيستكثرون عليه ذلك ، ويستكثرونه على الشعب المنكوب ، فتراهم وقد تخندقوا في نفس الخندق الذي يرسل منه كهنة النظام وكتبته قذائفهم البائسة ، وكأنَّ الجماعة المُنَخَّبَةَ قد فقدت صوابها تماما ، فرأيناهم يخرجون فيما تيسر لهم من أبواق ، وقد حملوا على الرجل الاتهام تلو الاتهام ، وكلها مما يثير الضحك والشفقة في آن ، فمن قائل أن مسلك الرجل يهيل التراب على التجربة الحزبية المصرية وزخمها المتقد طوال الثلاثين سنة الأخيرة ، رغم أن هذه التجربة وبشهادة كبار المتحزبين أنفسهم لا تحمل أدنى قدر من الاحترام الذي يسمح لها بالفخر أو المن على أحد أيما كان ، ومن ناعق بابتعاد الرجل عن واقع مصر والمصريين منذ زمن بعيد ، وكأن هذا الواقع التعس وما آل إليه الحال لا يعد سبة في جبين الجميع حكاما ومحكومين ، وهذا الابتعاد هو الميزة الفارقة - من وجهة نظري – فالرجل لم يتلوث بفساد ولا استبداد ولم يتورط في صفقات مع النظام ، فهل ذلك يعد من حسنات الرجل أم من سيئاته ، وفي الحقيقية أنهم لجهالتهم ولضحالة أفكارهم ولغبائهم المتناهي أيضا ، أخذوا يختلقون من الأكاذيب ما يمكن الرد عليه بأدنى الجهد ،كالترهات التي سيقت عن مستوى الرجل العلمي أيام دراسته ، وعن دوره في الحرب الأمريكية على العراق ، وعن أنه يحمل جنسية أخرى غير الجنسية المصرية – رغم أن نجلي الرئيس يحملان الجنسية البريطانية وبعض الوزراء يحملون جنسيات كندا وألمانيا والولايات المتحدة – والحقيقة أن ما أحدثه ظهور الدكتور البرادعي على الساحة السياسية المصرية من حراك لا يمكن أن يصب إلا في مصلحة المصريين ، فإما أن يدفع الرجل عجلة التغيير الذي طال انتظاره ، وإما أن يضغط من أجل تحسين شروط اللعبة السياسية ، وإما أن يتم مقضاة المحتكمين إلى القوانين التي تخالف كافة الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية أمام المحاكم الدولية ، وهو في كل ذلك محصن من تعرض النظام له بتلفيق الاتهامات ، وليس فيما سبق ما يصب في مصلحة النخبة التي ارتبطت ببقاء نظام مبارك ، رغم ما تبديه من معارضة ظاهرية في بعض الأحيان ، فأحيانا تستوجب الاستمالة إبداء بعض التمنع كما تعلمون- صفقات المقاعد الشاغرة في المجلس القادم أسالت لعاب الكثيرين - لهذا أرى أن مساندة الدكتور محمد مصطفى البرادعي ودعمه في مطالبه العادلة ،هو ظرف اللحظة الراهنة الملح ، فبكل المقاييس سنشهد عما قريب نهاية عصر تعيس ، وبداية عصر آخر له معطيات أخرى ، أما آن لهم أن يترجلوا من الأبراج .الأربعاء، 17 فبراير 2010
عام الحسم
 فور تولي الرئيس السادات - رحمه الله- مقاليدَ الحكم في مصر ، أعلن أن عام 71 سيكون هو عام الحسم ، الذي سيشهد استعادة الأرض السليبة ، ولظروف عديدة لم يف الرئيس السادات بما وعد فتأجل الحسم إلى أكتوبر 73 ثم كانت الاتفاقية في نفس العام الذي شهد انتفاضة يناير ، ومنذ هذا التاريخ وَعَى النظام المصري جيدًا عدة أمور كانت من الخطورة بمكان بحيث شكلت منهجه المختار واستراتيجيته الملهمة في التعامل مع الشعب المصري ، وَعَى النظام المصري أنَّ الشعب المصري يأخذ كلام رئيسه على محمل الجد ، ويبني على ذلك الكلام آمالاً عريضة وطموحات كبيرة ، فقرر أن تكون كل خطب الرئيس بعد ذلك كلاماً إنشائياً لا يشى بشيء ذي بال ، وما هي إلا سنوات قليلة حتى أصبح كلام الرئيس وخطبه وتصريحاته من أكثر الأشياء التي يعزف عنها المصريون ولا يلقون لها بالا ، وكانت أحداث 18/19 يناير هي الدرس الأكثر فائدة للنظام في مصر ، فمجرد أن أعلن الدكتور القيسوني عن نية الحكومة رفع أسعار بعض السلع ، إذا بالشعب المصري يخرج عن بكرة أبيه في شوارع مصر وميادينها ، ليعلن غضبته الشجاعة على هذه القرارات ، كان هذا الحدث بمثابة ورقة الطلاق الحقيقية التي تأسست عليها القطيعة الكاملة بين الشعب المصري ونظام حكمه ، ورضي كلا الطرفين بالتسوية والتزما بالشروط ، فرضي الشعب المصري من النظام بفنون التحايل و الالتفاف والتزوير والفساد المستخفي بالليل والنهار ، وقبل النظام من الشعب أن يُسَيِّرَ أموره بنفسه بعيدًا عن الحكومات العاجزة التي لا تملك حلولاً لأي مشكلة ، وكان من تفاصيل هذه التسوية أن يفي الشعب بمتطلبات النظام في شكل ضرائب تدفع دون الحصول على خِدْمَات ، باعتبار أنَّ النظام قدخرج منتصرًا من معركة يناير 77 ،وعليه فإنَّ من حقه أن يُمْلِيَّ شروطه بعد أن عاش الشعب لأيام وهم الانتصار بعد إلغاء قرارات حكومة القيسوني ، ورغم تسليم الشعب بكافة الشروط المجحفة ، إلا أن هذه الأحداث كانت قد تركت أثرًا عميقا في وعي النظام ، وكان هذا الأثر هو المحفز الأكبر لرءوس النظام على اتخاذ كافة التدابير من أجل ألا تتكرر مثل هذه الأحداث ، فتفتقت الأذهان الشيطانية عن خطط لرفع الأسعار بشكل سري ، مع توفير بدائل بالأسعار القديمة تتناقص من الأسواق تدريجيا ،ثم تختفي أو الإبقاء على الأسعار كما هي وطرح عبوات أقل وزنا ،إلى غير ذلك من الحيل التي تجود بها رءوس الأبالسة ، التي ربما لخصت نصائحها لسدنة النظام في هذه الجملة الفارقة : لا تعلن إلا عكس ما تفعل ، ولا تحسم أمرا ، ولا تقطع بشيء .. ثم افعل بعد ذلك ما يحلو لك . والحقيقة أن الحرب لم تنته بين الشعب المصري ومغتصبي السلطة في مصر ، فلا هو بقي على خنوعه ، ولا هم رضوا بما حصدوه من ثروات ، فمع صعود الأجيال الجديدة من الفاسدين زاد الطلب على ما في أيدي الناس من أموال ،فسنت القوانين الجبائية ،وعطلت أو فرغت من مضامينها كل القوانين الحامية لحقوق الشعب وممتلكاته ، حتى بلغ الاستبداد مداه بتغيير الدستور؛ ليصبح مسخا مشوها وضع لخدمة مصالح عدة أفرادٍ ، وضد عامة المصريين وخاصتهم ، وقد أفلح النظام في تمرير كل القوانين السالبة للحريات والداعمة للاستبداد دون أدنى ممانعة من النخبة التي وفقت أوضاعها بين مستفيد ومستأنس ونزيل في سجون النظام ومعتقلاته ، ومن المريب في الأمر أن الكل يؤدي دوره المرسوم بدقة فائقة ،ودون إخلال بمقتضيات الانبطاح أو النضال ، فحرية الصراخ مكفولة لمن يحب أن يصرخ ، وذهب المعز لمن يفلح في الوصول إلى موكب السلطان ، ومع طول فترة حكم الرئيس مبارك بشكل لم يتوقعه أكثر المحبين له يوم تولى الحكم في 81 ، فَقَدَ النظام عددًا من رءوسه الشيطانية المدبرة ،وبدا مترنحا في كثير من المشاهد ،حتى أنه أقصى رموزا من مواقع ذات حساسية بالغة ، ووضع مكانهم أشخاصا مقربين من نجل الرئيس لا يملكون الكفاءة ولا الخبرة ، صاحب ذلك يقين ثابت يرتكز على أن أسباب البقاء هي خارجية بنسبة كبيرة ، حتى صرح أحدهم دون أدنى إحساس بالخجل أن الرئيس القادم لن يأتي إلا بالمباركة الصهيو أمريكية ، وهو تصريح لايقال في أي مكان في العالم غير مصر ، ولا يقال في مصر إلا باعتبارات ترويج اليأس بين الناس وخاصة النخبة المبقية على شروط النضال الحقيقي ، كما أنه يعلن عن نفاد صبرالنظام في ملف التوريث الذي يتم العمل عليه منذ أكثر من أربع سنوات ، كما أنه يلوح أيضا بخطورة البدائل الديمقراطية على مصالح كافة الأطراف باستثناء الشعب الذي يعد العنصر المستبعد دائما من المعادلة ، وهو في الوقت ذاته تكريس لحالة المواقف المتميعة التي يتبناها نظام الرئيس مبارك منذ مطلع الألفية الجديدة ، ربما لتشي أن النظام في مصر به بعض الحيوية التي تسمح بوجود أكثر من رأي ، أو تقبل بوجود جدل حقيقي حول القضايا الكبرى كأمن مصر القومي ، أو آلية تداول السلطة ، أو حول تحسين شروط التفاوض مع الشعب المصري حول انتقاله من حال العبودية لدى الأب إلى الإبن ، كل هذا وغيره دون التطرق إلى أن عام 2010 هو عام الحسم ، بل هو الجسر الذي سوف تعبره مصر إما إلى الانعتاق من أسر العائلة ، وإما إلى حالة من التصاغر ،بحيث تصير مصر بما فيهاومن فيها ، أقل شأنا من عزبة يتفاوض بشأنها أطراف هم سبب بلائها بل خرابها ، ولا يقول قائل أن الرئيس مبارك أعلن عن نيته في البقاء إلى آخر نفس ، من يصدق ذلك لم يع الدرس جيدا ... قل دائما عكس ما تنتوي فعله .. أليس كذلك .
 فور تولي الرئيس السادات - رحمه الله- مقاليدَ الحكم في مصر ، أعلن أن عام 71 سيكون هو عام الحسم ، الذي سيشهد استعادة الأرض السليبة ، ولظروف عديدة لم يف الرئيس السادات بما وعد فتأجل الحسم إلى أكتوبر 73 ثم كانت الاتفاقية في نفس العام الذي شهد انتفاضة يناير ، ومنذ هذا التاريخ وَعَى النظام المصري جيدًا عدة أمور كانت من الخطورة بمكان بحيث شكلت منهجه المختار واستراتيجيته الملهمة في التعامل مع الشعب المصري ، وَعَى النظام المصري أنَّ الشعب المصري يأخذ كلام رئيسه على محمل الجد ، ويبني على ذلك الكلام آمالاً عريضة وطموحات كبيرة ، فقرر أن تكون كل خطب الرئيس بعد ذلك كلاماً إنشائياً لا يشى بشيء ذي بال ، وما هي إلا سنوات قليلة حتى أصبح كلام الرئيس وخطبه وتصريحاته من أكثر الأشياء التي يعزف عنها المصريون ولا يلقون لها بالا ، وكانت أحداث 18/19 يناير هي الدرس الأكثر فائدة للنظام في مصر ، فمجرد أن أعلن الدكتور القيسوني عن نية الحكومة رفع أسعار بعض السلع ، إذا بالشعب المصري يخرج عن بكرة أبيه في شوارع مصر وميادينها ، ليعلن غضبته الشجاعة على هذه القرارات ، كان هذا الحدث بمثابة ورقة الطلاق الحقيقية التي تأسست عليها القطيعة الكاملة بين الشعب المصري ونظام حكمه ، ورضي كلا الطرفين بالتسوية والتزما بالشروط ، فرضي الشعب المصري من النظام بفنون التحايل و الالتفاف والتزوير والفساد المستخفي بالليل والنهار ، وقبل النظام من الشعب أن يُسَيِّرَ أموره بنفسه بعيدًا عن الحكومات العاجزة التي لا تملك حلولاً لأي مشكلة ، وكان من تفاصيل هذه التسوية أن يفي الشعب بمتطلبات النظام في شكل ضرائب تدفع دون الحصول على خِدْمَات ، باعتبار أنَّ النظام قدخرج منتصرًا من معركة يناير 77 ،وعليه فإنَّ من حقه أن يُمْلِيَّ شروطه بعد أن عاش الشعب لأيام وهم الانتصار بعد إلغاء قرارات حكومة القيسوني ، ورغم تسليم الشعب بكافة الشروط المجحفة ، إلا أن هذه الأحداث كانت قد تركت أثرًا عميقا في وعي النظام ، وكان هذا الأثر هو المحفز الأكبر لرءوس النظام على اتخاذ كافة التدابير من أجل ألا تتكرر مثل هذه الأحداث ، فتفتقت الأذهان الشيطانية عن خطط لرفع الأسعار بشكل سري ، مع توفير بدائل بالأسعار القديمة تتناقص من الأسواق تدريجيا ،ثم تختفي أو الإبقاء على الأسعار كما هي وطرح عبوات أقل وزنا ،إلى غير ذلك من الحيل التي تجود بها رءوس الأبالسة ، التي ربما لخصت نصائحها لسدنة النظام في هذه الجملة الفارقة : لا تعلن إلا عكس ما تفعل ، ولا تحسم أمرا ، ولا تقطع بشيء .. ثم افعل بعد ذلك ما يحلو لك . والحقيقة أن الحرب لم تنته بين الشعب المصري ومغتصبي السلطة في مصر ، فلا هو بقي على خنوعه ، ولا هم رضوا بما حصدوه من ثروات ، فمع صعود الأجيال الجديدة من الفاسدين زاد الطلب على ما في أيدي الناس من أموال ،فسنت القوانين الجبائية ،وعطلت أو فرغت من مضامينها كل القوانين الحامية لحقوق الشعب وممتلكاته ، حتى بلغ الاستبداد مداه بتغيير الدستور؛ ليصبح مسخا مشوها وضع لخدمة مصالح عدة أفرادٍ ، وضد عامة المصريين وخاصتهم ، وقد أفلح النظام في تمرير كل القوانين السالبة للحريات والداعمة للاستبداد دون أدنى ممانعة من النخبة التي وفقت أوضاعها بين مستفيد ومستأنس ونزيل في سجون النظام ومعتقلاته ، ومن المريب في الأمر أن الكل يؤدي دوره المرسوم بدقة فائقة ،ودون إخلال بمقتضيات الانبطاح أو النضال ، فحرية الصراخ مكفولة لمن يحب أن يصرخ ، وذهب المعز لمن يفلح في الوصول إلى موكب السلطان ، ومع طول فترة حكم الرئيس مبارك بشكل لم يتوقعه أكثر المحبين له يوم تولى الحكم في 81 ، فَقَدَ النظام عددًا من رءوسه الشيطانية المدبرة ،وبدا مترنحا في كثير من المشاهد ،حتى أنه أقصى رموزا من مواقع ذات حساسية بالغة ، ووضع مكانهم أشخاصا مقربين من نجل الرئيس لا يملكون الكفاءة ولا الخبرة ، صاحب ذلك يقين ثابت يرتكز على أن أسباب البقاء هي خارجية بنسبة كبيرة ، حتى صرح أحدهم دون أدنى إحساس بالخجل أن الرئيس القادم لن يأتي إلا بالمباركة الصهيو أمريكية ، وهو تصريح لايقال في أي مكان في العالم غير مصر ، ولا يقال في مصر إلا باعتبارات ترويج اليأس بين الناس وخاصة النخبة المبقية على شروط النضال الحقيقي ، كما أنه يعلن عن نفاد صبرالنظام في ملف التوريث الذي يتم العمل عليه منذ أكثر من أربع سنوات ، كما أنه يلوح أيضا بخطورة البدائل الديمقراطية على مصالح كافة الأطراف باستثناء الشعب الذي يعد العنصر المستبعد دائما من المعادلة ، وهو في الوقت ذاته تكريس لحالة المواقف المتميعة التي يتبناها نظام الرئيس مبارك منذ مطلع الألفية الجديدة ، ربما لتشي أن النظام في مصر به بعض الحيوية التي تسمح بوجود أكثر من رأي ، أو تقبل بوجود جدل حقيقي حول القضايا الكبرى كأمن مصر القومي ، أو آلية تداول السلطة ، أو حول تحسين شروط التفاوض مع الشعب المصري حول انتقاله من حال العبودية لدى الأب إلى الإبن ، كل هذا وغيره دون التطرق إلى أن عام 2010 هو عام الحسم ، بل هو الجسر الذي سوف تعبره مصر إما إلى الانعتاق من أسر العائلة ، وإما إلى حالة من التصاغر ،بحيث تصير مصر بما فيهاومن فيها ، أقل شأنا من عزبة يتفاوض بشأنها أطراف هم سبب بلائها بل خرابها ، ولا يقول قائل أن الرئيس مبارك أعلن عن نيته في البقاء إلى آخر نفس ، من يصدق ذلك لم يع الدرس جيدا ... قل دائما عكس ما تنتوي فعله .. أليس كذلك .السبت، 13 فبراير 2010
المعول والدبوس
 يومًا بعد يوم تزداد قلعة الفساد والإفساد والنهب والاستبداد قوةً ومنعةً ، ولهذا أسبابه المتعددة ،ومن أهمها أن حماة هذه القلعة وسكانها والمحتمين بها لا يؤلون جهدًا في سبيل الاستفادة من جميع الظروف الداعمة لوجودهم المبقية على نفوذهم وسلطانهم ، ومن أهم هذه الظروف تشرذم القوى المناوئة وتناحرها وتفرغها لانتقاد بعضها البعض برغم أن هذه القوى تعلم علم اليقين أن تبديد الطاقات في هذا الشأن لا يفيد إلا قلعة الفساد والاستبداد والمتمترسين خلف حصونها ، قكيف يتسنى لنا أن نجعل هذا العلم اليقيني واقعا معاشا ؟ إن ما يحيق بالأمم المبتلاة بالأنظمة الاستبدادية يتراوح بين حال السيطرة المتبصرة لعواقب الاستبداد،وهو ما يستلزم شيئًا من المداراة والحفاظ على الحدود المعقولة للعيش الكريم ، وبين حال الاطمئنان التام لرضوخ الشعب وخنوعه واستسلامه،وهنا لا حدود للبطش والعسف،ولا حديث عن الحياة نفسها ناهيك عن بؤسها أوكرمها ، وبما أن الحالة المصرية هي الحالة الثانية بامتياز، فإنك ترى أن حالة الاطمئنان التام إلى الغيبوبة التي أصيب بها الشعب المصري قد حدت بأهل القلعة أن يبالغوا في التنكيل به ، فتفننوا في أساليب إفنائه إمراضا وإفقارا ونهبا وإهدارا للكرامة ، كما بالغوا في الانكفاء أمام أعداء الوطن الذين يستمدون منهم القوة وأسباب البقاء ، ليس فيما ذكرت جديد ، لكن الأمر يحتاج إلى شيءٍ من إنعام النظر ، حتى نعرف كيف يكون سبيل الوصول إلى قلعة الفاسدين ، فإذا كنت ممن يظنون أنفسهم أصحاب منهج ورؤية واستراتيجية وتطمح للتغلب على هذا التشكيل العصابي ، فأنت تمتلك معولا تستطيع به أن تحطم جزءًا من أسوار هذه القلعة المنيعة ، أو أن تسقط حجرًا أو حجرين ، غيرأنَّه من الواجب عليك أن ترى كل من يخالفوك الرأي ويرون أن منهجك ورؤيتك واستراتيجيتك محل نظر- على الأقل من حملة الدبابيس ، الذين يمكنهم أن يحدثوا خدوشا في الجدران العالية ، حتى وإن استصغرت جهد غيرك إلى درجة الاحتقار، فليس من العقل أن تهدر طاقتك في الانتقاد أو الوعظ ، بل عليك أن تواصل المسير فإما أن يتبعك الآخرون اقتداءً أوغيرةً ، وإما أن تقعد بهم السبل بدافع العجز أو المغنم ، واما المدَّعون الممالؤن الذين يبدون التبرم ويخفون التزلف رغبة في مكسب أو طلبًا لتحقيق مأرب، فليس من المنطق أن تلتفت إليهم ، فإنَّك إن فعلت أضفت إليهم وانتقصت قدر نفسك واستنزفت طاقتك ، كما أن إحسان الظن بالناس مقدم إلى أن يثبتَ العكس ، ولا يغرَّنك ما هو لك من الحظ عند الناس ، فتقعد في مقام المصنِّف فتضيع حظوتك ويحبط عملك. فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ ضِدَّنَا فَهُوَ مَعَنَا كما قال المسيح –عليه السلام – فمن يدعي بعد ذلك أن اكتساب الأعداء أمر لاينافي العقل ناهيك عن حسن المقصد فهو إما واهم أو مدع ، وإذا كانت الأحكام القضائية تسقط بالتقادم ، فإن الاحتفاظ بالعداوات التاريخية يصير هزلاً في موضع الجد ، فإذا كنت لا تستطيع أن تمد يدك بالود لمن تجمعك بهم أرضيةًً واسعة من الثوابت المشتركة ، فلا أقل من أن تحتفظ لهم بشيء من الود القديم فإن الكريم- كما قالوا–من حفظ وداد ساعةٍ .إن الإخلاص للهدف النبيل يحتم علينا أن نفسح الطريق لكل من يستطيع صعود تلك السلالم التي نلقيها على أسوار قلعة الفساد والإستبداد ؛ حتى وإن قعدت بنا الأسباب أن نصعدها نحن ، ولنكن كزارعي أشجار الزيتون التي لا تثمر إلا بعد عشرات السنين ،فعلى النية والجهد يؤجر الإنسان أما النتائج فإن الله يختار لحصادها من يشاء من عباده.إن أكثر ما شد انتباهي عندما تعاملت مع الإخوة الاتراك أنهم لا يذكرون أحدا بسؤء على الإطلاق حتى غلاة العلمانية من زعماء حزب الشعب لا يتحدثون عنهم إلا بكل تقدير واحترام ويرون أن الخلاف الأيدلوجي لا يجب أن يجور على المشترك الوطني ، حتى المتورطين في قضايا الفساد لا يتم التشهير بهم ،بل إن وسائل الإعلام التابعة للحركات والأحزاب المناهضة للعلمانية المتطرفة لاتسارع بنشر هذه القضايا وتسبقها إلى ذلك وسائل الإعلام العلمانية ، ولا يكون دافعها إلى ذلك إلا محاولة التبرأ من هؤلاء والتطهر أمام الرأي العام ، حتى أن كثيرًا من محاولات الاغتيال التي تدبر للإطاحة برموز حزب العدالة والتنمية لا يكشف عنها ،دعما لمسيرة التنمية والاستقرار في البلاد ، لدرجة أن السيد أردوجان نفسه لا يعلم كم محاولة اغتيال دبرت له ، أليس في هذا النموذج الرائع قدوة ومثل لنا أم أننا سنتعامل بنفس الانتقائية المقيتة مع هذه التجربة الرائدة التي أشعرت الناس بالأمان الاجتماعي ،وخلقت من خلال التجربة العملية جيلا من الفرسان النبلاء لا تحركهم المنفعة الشخصية ولا المأرب الخاص ، حتى أنك لتعجب عندما ترى شباب الأمة التركية وهم يضرعون إلى الله في خشوع أن يحفظ لهم هذه الكوكبة المباركة من المسئولين المخلصين ، كما يتملكك العجب كله عندما ترى هذه الشعبية المتصاعدة تجتاح عموم تركيا ،حتى معاقل حزب الشعب الكمالي في إزمير وما حولها ، هل نعي الدرس جيدا ؟ أم أن الغرور وأسبقية التجربة ستحول بيننا وبين تمثل هذا الأنموذج الفذ ، فيا أيها المتمارون (( أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ)) .
 يومًا بعد يوم تزداد قلعة الفساد والإفساد والنهب والاستبداد قوةً ومنعةً ، ولهذا أسبابه المتعددة ،ومن أهمها أن حماة هذه القلعة وسكانها والمحتمين بها لا يؤلون جهدًا في سبيل الاستفادة من جميع الظروف الداعمة لوجودهم المبقية على نفوذهم وسلطانهم ، ومن أهم هذه الظروف تشرذم القوى المناوئة وتناحرها وتفرغها لانتقاد بعضها البعض برغم أن هذه القوى تعلم علم اليقين أن تبديد الطاقات في هذا الشأن لا يفيد إلا قلعة الفساد والاستبداد والمتمترسين خلف حصونها ، قكيف يتسنى لنا أن نجعل هذا العلم اليقيني واقعا معاشا ؟ إن ما يحيق بالأمم المبتلاة بالأنظمة الاستبدادية يتراوح بين حال السيطرة المتبصرة لعواقب الاستبداد،وهو ما يستلزم شيئًا من المداراة والحفاظ على الحدود المعقولة للعيش الكريم ، وبين حال الاطمئنان التام لرضوخ الشعب وخنوعه واستسلامه،وهنا لا حدود للبطش والعسف،ولا حديث عن الحياة نفسها ناهيك عن بؤسها أوكرمها ، وبما أن الحالة المصرية هي الحالة الثانية بامتياز، فإنك ترى أن حالة الاطمئنان التام إلى الغيبوبة التي أصيب بها الشعب المصري قد حدت بأهل القلعة أن يبالغوا في التنكيل به ، فتفننوا في أساليب إفنائه إمراضا وإفقارا ونهبا وإهدارا للكرامة ، كما بالغوا في الانكفاء أمام أعداء الوطن الذين يستمدون منهم القوة وأسباب البقاء ، ليس فيما ذكرت جديد ، لكن الأمر يحتاج إلى شيءٍ من إنعام النظر ، حتى نعرف كيف يكون سبيل الوصول إلى قلعة الفاسدين ، فإذا كنت ممن يظنون أنفسهم أصحاب منهج ورؤية واستراتيجية وتطمح للتغلب على هذا التشكيل العصابي ، فأنت تمتلك معولا تستطيع به أن تحطم جزءًا من أسوار هذه القلعة المنيعة ، أو أن تسقط حجرًا أو حجرين ، غيرأنَّه من الواجب عليك أن ترى كل من يخالفوك الرأي ويرون أن منهجك ورؤيتك واستراتيجيتك محل نظر- على الأقل من حملة الدبابيس ، الذين يمكنهم أن يحدثوا خدوشا في الجدران العالية ، حتى وإن استصغرت جهد غيرك إلى درجة الاحتقار، فليس من العقل أن تهدر طاقتك في الانتقاد أو الوعظ ، بل عليك أن تواصل المسير فإما أن يتبعك الآخرون اقتداءً أوغيرةً ، وإما أن تقعد بهم السبل بدافع العجز أو المغنم ، واما المدَّعون الممالؤن الذين يبدون التبرم ويخفون التزلف رغبة في مكسب أو طلبًا لتحقيق مأرب، فليس من المنطق أن تلتفت إليهم ، فإنَّك إن فعلت أضفت إليهم وانتقصت قدر نفسك واستنزفت طاقتك ، كما أن إحسان الظن بالناس مقدم إلى أن يثبتَ العكس ، ولا يغرَّنك ما هو لك من الحظ عند الناس ، فتقعد في مقام المصنِّف فتضيع حظوتك ويحبط عملك. فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ ضِدَّنَا فَهُوَ مَعَنَا كما قال المسيح –عليه السلام – فمن يدعي بعد ذلك أن اكتساب الأعداء أمر لاينافي العقل ناهيك عن حسن المقصد فهو إما واهم أو مدع ، وإذا كانت الأحكام القضائية تسقط بالتقادم ، فإن الاحتفاظ بالعداوات التاريخية يصير هزلاً في موضع الجد ، فإذا كنت لا تستطيع أن تمد يدك بالود لمن تجمعك بهم أرضيةًً واسعة من الثوابت المشتركة ، فلا أقل من أن تحتفظ لهم بشيء من الود القديم فإن الكريم- كما قالوا–من حفظ وداد ساعةٍ .إن الإخلاص للهدف النبيل يحتم علينا أن نفسح الطريق لكل من يستطيع صعود تلك السلالم التي نلقيها على أسوار قلعة الفساد والإستبداد ؛ حتى وإن قعدت بنا الأسباب أن نصعدها نحن ، ولنكن كزارعي أشجار الزيتون التي لا تثمر إلا بعد عشرات السنين ،فعلى النية والجهد يؤجر الإنسان أما النتائج فإن الله يختار لحصادها من يشاء من عباده.إن أكثر ما شد انتباهي عندما تعاملت مع الإخوة الاتراك أنهم لا يذكرون أحدا بسؤء على الإطلاق حتى غلاة العلمانية من زعماء حزب الشعب لا يتحدثون عنهم إلا بكل تقدير واحترام ويرون أن الخلاف الأيدلوجي لا يجب أن يجور على المشترك الوطني ، حتى المتورطين في قضايا الفساد لا يتم التشهير بهم ،بل إن وسائل الإعلام التابعة للحركات والأحزاب المناهضة للعلمانية المتطرفة لاتسارع بنشر هذه القضايا وتسبقها إلى ذلك وسائل الإعلام العلمانية ، ولا يكون دافعها إلى ذلك إلا محاولة التبرأ من هؤلاء والتطهر أمام الرأي العام ، حتى أن كثيرًا من محاولات الاغتيال التي تدبر للإطاحة برموز حزب العدالة والتنمية لا يكشف عنها ،دعما لمسيرة التنمية والاستقرار في البلاد ، لدرجة أن السيد أردوجان نفسه لا يعلم كم محاولة اغتيال دبرت له ، أليس في هذا النموذج الرائع قدوة ومثل لنا أم أننا سنتعامل بنفس الانتقائية المقيتة مع هذه التجربة الرائدة التي أشعرت الناس بالأمان الاجتماعي ،وخلقت من خلال التجربة العملية جيلا من الفرسان النبلاء لا تحركهم المنفعة الشخصية ولا المأرب الخاص ، حتى أنك لتعجب عندما ترى شباب الأمة التركية وهم يضرعون إلى الله في خشوع أن يحفظ لهم هذه الكوكبة المباركة من المسئولين المخلصين ، كما يتملكك العجب كله عندما ترى هذه الشعبية المتصاعدة تجتاح عموم تركيا ،حتى معاقل حزب الشعب الكمالي في إزمير وما حولها ، هل نعي الدرس جيدا ؟ أم أن الغرور وأسبقية التجربة ستحول بيننا وبين تمثل هذا الأنموذج الفذ ، فيا أيها المتمارون (( أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ)) .