الجمعة، 23 يوليو 2010

وتتوالى جرائم النظام

على عكس ما توقع البعض جاءت العديد من الأحداث الأخيرة ؛ لتؤكِّد أنَّ نظام الرئيس مبارك ماضٍ في غيِّه دون النظر لاعتبارات الحراك السياسي الذي عمَّ البلاد خلال الأعوام الخمسة الأخيرة ، شاملا كل فئات المجتمع وقطاعاته- معتمدًا في ذلك - أي النظام- أبشع الأساليب وأكثرها دونية ومخاصمة للمبادئ .حتى أنَّه وفي انتخابات التجديد النِّصفي لمجلس الشورى قد مارس تزويرًا فجاً وغير مسبوق لصالح نوابه وبعض الأشخاص المنتتمين للأحزاب المتوائمة والمتعاملة والعميلة والمسماة زورًا وبهتانًا بأحزاب المعارضة ، حدث ذلك رغم تأكيد رأس النِّظام نفسه على نزاهة الانتخابات وخضوعها لكافة الضوابط القانونية ، هذا التأكيد لم يُلتفت إليه، بل ضُرِب به عرض الحائط .فإذا كان الرئيس يعلم بما حدث علم اليقين ، فلماذا قبل أن يظهر بهذه الصورة ، التي تؤكد غيابه عن صياغة العديد من القرارات الهامة ، أم أنَّ الرئيس كان يعلم أنَّ رجال حزبه لا يلقون بالا لما يقول أو يفعل ؟ أم أنَّه كعادته أعلن عكس ما ينتوي فعله ؟ ولماذا لم يحفل النظام ورجاله بتجميل صورته أمام الرأي العام أو المجتمع الدولي رغم صدور العديد من التقارير الدولية التي تؤكد غياب النزاهة عن كافة الانتخابات التي يقومون بها ؟ ولماذا وصلوا إلى حد توزيع مقاعد الشورى على الأحزاب المتوائمة كهدايا لا ترد ؟ لعل مرد ذلك يُعْزى إلى تلك المعرفة العميقة بأزمة هذه الأحزاب وعدم قدرة رجالها على مقاومة الإغراء الذي تمثله هذه المقاعد بالنسبة لأناس عاشوا أعمارهم في انتظار السقوط بالرشى المقنعة ، كما أنها مثلت جوائز ومكافآت للدور الذي لعبته تلك الأحزاب ضد الدكتور البرادعي ، وتخيل رجال الحكم أنه صبَّ في صالحهم ، بالتقليل من شأن الرجل أمام الرأي العام ، بينما الحقيقة أن الرجل زاد مصداقية بابتعاد هذه الأحزاب عنه ومناصبتها إياه العداء . إن النظام بذلك يرسل رسالة واضحة لكل دعاة التغيير تفيد بأنه لا جدوى على الإطلاق من كافَّة الممارسات الداعية إلى التَّداول السلمي للسلطة ، كما أن الضغوط التي يمكن أن تمارسها جهات خارجية على نظام مبارك من أجل تفعيل قواعد الممارسة الديمقراطية ، يمكن التعامل معها دون أن تمثل خطرًا يذكر ، وهو في ذلك- أي النظام- إنما يلعب على عامل الوقت ، من أجل بث اليأس في نفوس دعاة التغيير، مما يستدعي القول بأنه إذا كان صندوق الانتخاب هو الوسيلة الوحيدة للتغيير في الدول التي تحترم شعوبها ، فإنَّه لايجب علينا أن نعدم الوسائل الأخرى إذا غابت هذه الوسيلة أوغيبت من قبل نظام يمارس الكذب والتزوير في كل ما يمارس بفُجرٍ واضح . أما الجديد الذي يجب أن نتناوله بالرصد والتحليل فهو ما يمكن تسميته بتطوير وسائل الهجوم من قبل التشكيل العصابي الحاكم بهدف إضعاف كافة القوى المناوئة لبقائهم جاثمين فوق أرواح المصريين ،ولقد اتخذ هذا الإضعاف أشكالا عديدة ، أفصحت عن بقية من ذكاء ثعباني لا زال يتمتع به بعض أعمدة هذا التشكيل ، وكان من تجليات ذلك تصعيد المواجهة بين القضاة والمحامين على خلفية حادث فردي كان يمكن تجاوزه بسهولة ، تبعه الحديث عن قضاة مرتشين ومحامين راشين ، وغسيل قذر تنشره الصحف على اختلاف توجهاتها ، والواضح أنَّ ذلك كله كان محاولة ناجحة للقضاء على البقية الباقية من هيبة القضاء وثقة الناس في نزاهته . كما بدت تلك الأحداث وكأنَّها موسم تصفية الحسابات مع فئات شاركت بشكل مباشر في إحداث جدل واسع حول ضرورة التغيير . تزامن كل ذلك مع العديد من حوادث القتل والتعذيب حتى الموت والتي قام بها رجال اللواء حبيب العادلي وطوروا خلالها أداء الوزارة من القتل والتعذيب داخل السجون والأقسام ، إلى قتل المصريين في الشوارع أمام أعين الناس دون رادع من دين أو ضمير . وبالقطع فإن الوحشية التي قُتِل بها هؤلاء المصريين ، هي إحدى تجليات مخزون الحقد والكراهية على الشرفاء من أبناء هذا الوطن ، هذه الكراهية التي كرس لها النظام الفاسد الناهب لثروات مصر . لذلك يصبح الحديث عن إدانة مُخْبِرين أو ضباط أو حتى وزير الداخلية نفسه أمرا يبعث على السخرية ، فالمسئول الأول عن قتل هؤلاء ، هو الرئيس نفسه وذلك لإصراره غير المبرر على الحكم بالطوارئ لثلاثين عاما ، فجعل بذلك من نفسه الداعم الأول لانفلات بعض رجال الداخلية وتحولهم إلى قتلة بعد أن كانوا قد تحولوا في مرحلة سابقة إلى تجار مخدرات وقاطعي طريق . وكان مرد ذلك كله إلى غياب القانون الطبيعي الذي يحفظ للناس حقوقهم وكرامتهم وحياتهم ، ومع تغول الذراع الأمني للنظام وانفلاته من كل قيد يمكن أن يمثله القانون ، يذهب البعض إلى أن ما يجري يتم بتوجيهات عليا هدفها الأول إرهاب الشعب ؛ لإثنائه عن أي فعل إيجابي يعبر به عن رغبته في التغيير ، إذ أن يقينا قد تكون لدى النظام يفيد أنَّ آلاف المصريين الذين خرجوا كفئات تطالب بحقها في الحياة في أدنى صورها ما تلبث أن تخرج جموعًا غاضبةً في طول البلاد وعرضها ، ولن تستطيع جحافل النمل الأسود أن توقفها ساعتئذ .

ليست هناك تعليقات: