الاثنين، 30 نوفمبر 2009

اقتطاع الجزائر

لم تكن تلك الأسلحة البيضاء التي حملها مناصرو المنتخب الجزائري في أم درمان لإرهاب الجماهير المصرية فحسب ، بل كان عملها الأساسي هو اقتطاع الجزائر من جسد الوطن العربي وعزلها عن محيطها العربي ، تمهيدًا لاستلابها لحساب الفرانكفونية ودعاة الفَرْنَسَة ، وقد قدم النظام المصري وأبواقه الإعلامية المقروءة والمرئية خدمة جليلة لأعداء العروبة والإسلام في الجزائر ، موجهين ضربة قاصمة للمدافعين عنهما من أبناء الجزائر ، ولأنه وكما يقول المتنبي ((عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ )) . فلقد وجد المتآمرون من كلا الفريقين ضالتهم في مباراة لكرة القدم ، زرعوا من خلالها الكراهية والعداء في نفوس الشعبين وتجازوت الأبواق الإعلامية الخطوط الحمراء بالأمر المباشر مما أوصل الخطاب في الجانبين إلى درجة غير مسبوقة من السفه والانحطاط ،فرأينا من يشكك في تاريخ الكفاح المشترك بين البلدين إلى أن وصل الأمر إلى تكذيب كل وقائع التاريخ ،فيما يمكن وصفه بالردة الكاملة عن ثوابت كانت تعد منذ أيام قليلة من قبيل المسلمات ، ولأن الأمر برمته لا يخلو من مؤامرة متعددة الأطراف ، فلقد كانت الاستثمارات المصرية في الجزائر هي الهدف الواضح والصريح لعمليات النهب والسلب والإحراق التي تمت تحت سمع وبصر قوات الأمن في البلد الشقيق ،هذا الإرهاب المتعمد لم يكن القصد منه الإساءة إلى مصر بقدر ما كان يهدف إلى إخلاء الساحة الجزائرية للاستثمارات الفرنسية بدعم وتشجيع من عدة رموز في النظام الجزائري يقف في مقدمتهم الوزير (أحمد أويحي ) ، كما تلقى هذه الاستثمارات معارضة شديدة من قبل المتمسكين بعروبة الجزائر وهويتها الإسلامية ،ولتاريخ فرنسا الدموي في الجزائر لنحو مائة وثلاثين سنة ، وإذا كانت هذه الاستثمارات سَتُرْفَضُ ،فالبديل جاهز ويتمثل في الاستثمارات القطرية التي تقف وراءها - بدعم كامل- رءوس أموال صهيونية ، هذه الاستثمارات التي حاولت من قبل امتلاك أراض حدودية في مصر- تحديدا في سيناء- واضطرت مصر إلى دفع تعويضات هائلة بعد أن خسرت القضية أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار المعروف اختصارا بـ (أكسيد ) فيما عرف بقضية سياج ، ولأن مصر كانت حصن العروبة الأمين وملاذ كل العرب وصاحبة اليد الطولى في تحرير الجزائر في زمن الرئيس جمال عبد الناصر ، الذي دعم عملية تعريب الجزائر في عهدي الرئيسين بن بيلا وبومدين ، لتعود الجزائر عنصرًا هامًا في معادلة القوى العربية وصاحبة دور هام في القضية الفلسطينية ، وداعم أساسي لمصر في صراعها الممتد مع الكيان الصهيوني – كان على مصر أيضا أن تكون الفاعل الأول في عملية اقتطاع الجزائر ،حتى يُكَفِّر نظام الرئيس مبارك عن خطايا الحقبة الناصرية ، ولأن الذريعة كانت صراع أرجل - وحتى تتم المؤامرة – ارتدى الكثيرون من الكتاب والإعلاميين أحذية الكرة في رءوسهم وأحكموا الأربطة وأخذوا يسكبون الزيت على النار متناسين أن وجود هذه الاستثمارات في الجزائر على ضآلتها - تبلغ حوالي ستة مليارات دولار – قياسا بما هو متاح من إمكانيات هائلة للاستثمار، يشكل أهمية قصوى لعروبة الجزائر وارتباطها بالعالم العربي ، فليس الهدف هو الكسب السريع ولا تكوين الثروات فهذا متاح بشكل أكبر بالنسبة للاستثمارات الفرنسية أو الأوربية أو الأمريكية وحتى الخليجية ، ومن العجيب والغريب أن هذه الاستثمارات المصرية التي لم تحصل على موطئ قدم في الجزائر إلا بعد محاولات مضنية من المخلصين للعروبة في الجزائر يتحدث عن أهميتها وقيمتها المرجفون من الفريقين ، ويعتبرون وجودها الآن من قبيل الإهانة ، ولا أريد أن أسترسل في الحديث عن الكرامة التي أشاعوا أنها أهدرت والأعلام التي ديست وأحرقت ، فالجميع يعرف مقدار احتفاظ كلا الشعبين بكرامتهما في مواجهة نظامين من أشد النظم فسادا واستبدادا ، ورغم ما يعانيه كلا الشعبين على أيديهما من ذل ومهانة وإجرام لا نظير له ،إلا أن أحدا لا يحرك ساكنا ،حتى بدا حديث العزة والكرامة نغمة نشازا في ظل هذا العزف المتواصل على أوتار الذل والمهانة والرضوخ ، ولتشابه الظروف في كلا البلدين كان هناك اتفاق غير معلن على استثمار النصر والهزيمة في المباراة لصالح النظامين ،فينتشي المنتصر بنشوة الفوز، ويمرر ما شاء من قوانين وإجراءات ، بينما يقف المهزوم موقف المدافع عن كرامة الشعب ،والمنافح عن شرفه الرفيع ، والمستعيد لحقه المسلوب . إن مصر الكبيرة لا يمكن أبدا أن تكون أداة لاقتطاع الجزائر من جسد الأمة العربية مهما كانت الأسباب والمبررات ، وخصوصا وقد استبانت الحقائق والمرامي وراء افتعال هذه الأزمة ،ولكن يبدو أن نظام الرئيس مبارك يصر باستماتة على إخراج مصر من جغرافيتها ، كما يسعى دائبا لنفيها من التاريخ0 بقي أن نقول إن الوصول إلى المونديال لا يصلح لاكتساب شرعية تنتقل على إثرها السلطة من الآباء إلى الأبناء ، ولا من الأخوة للأشقاء ، فالأمر برمته هزل في موضع الجد ، وإن دل على شيء فإنما يدل على تهافت تلك الأنظمة وتهرئها وانعدام كفاءتها واستخفافها بحياة الشعوب الغائبة عن الوعي ، فهل نعي الدرس ؟

الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

اعتزال النظام

في حالة الأنظمة المزمنة التي لا تعرف الحياء وتعاند الزمن والناس ، لا بد للشعوب أن تبحث عن بدائل ، فإن استعصت تلك الأنظمة على العزل وجب على الشعوب اعتزالها ؛ لتزول من تلقاء نفسها بعوامل الفناء الذاتي وبالصراعات الداخلية والتقاتل على المغانم ، واعتزال النظام بمعني إقصائه عن حياة الناس ليست فكرة جديدة ، فقد قرأنا منذ سنوات لأحد الكتَّاب طرحا مفاده أن يصحو المصريون مبكرا ذات يوم ويتوجهوا جميعا نحو الحدود ليتركوا مصر خالية وعلى حد قول الرجل ( ويشوفوا بقى هيحكموا مين وهيتجبروا على مين ) والفكرة السابقة على طرافتها وتطرفها واستحالة تنفيذها تطرح إمكانية اعتزال النظام بتقليص التعامل معه إلى أدنى الدرجات ، وعدم اللجوء إلى مؤسساته التي ضرب الفساد في أطنابها والعودة إلى المجالس العرفية وآليات فض المنازعات الشعبية ؛ لحل الخلافات وابتكار طرق جديدة للتوثيق وإثبات الحقوق لأصحابها و تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في التصدي للمشكلات المجتمعية بعيدا عن أدوار لا تقوم بها الدولة إلا على أسوأ حال - وأي فائدة ترجى من الاحتكام إلى نظام لا يستطيع رفع القمامة من الشوارع لأسابيع عديدة - ونذكر أنه من سنوات كانت حركة كفاية – على ما أظن – قد دعت للامتناع عن سداد فواتير الكهرباء والماء والتليفون – خاصة – بعد ارتفاع أسعارها بشكل صادم بسبب احتساب معدلات استهلاك هي أقرب إلى الخيال غير العلمي ، وبعد ما تبين باعتراف بعض المسئولين أنها تقوم على تقديرات جزافية تقترب من عمليات النصب العلني . إن هناك كثيرا من الممارسات اليومية التي يمكن تطبيقها لاعتزال هذا النظام ،وهي بمثابة شكل من أشكال المقاومة السلبية ، على طريق العصيان المدني ، إن نظام الرئيس مبارك الذي تآكلت أي شرعية لوجوده يسعى جاهدا إلى ضخ دماء تبقيه على قيد السلطة لأطول فترة ممكنة ، وهذه الفترة تطول أو تقصر بحسب ما يمكن أن تقدمه الجماهير من تضحيات لإزاحته ، وإذا كان من الصعب الآن أن ندعو إلى فعل إيجابي حقيقي يقابل من قبل النظام الآفل بالبطش الإجرامي ،فليس أقل من أن ندعو عموم المصريين إلى اعتزال النظام ، وليس علينا إلا طرح بعض البدائل المنطقية القابلة للتحقق ، وهي دعوة أزعم أنها ستلقى ردود فعل إيجابية قياسا بعزوف الناس – مثلا - عن الإعلام النظامي بكافة أشكاله حتى باتت قنواته و صحفه ومطبوعاته بمثابة وسائل إعلام سرية لا يتعاطاها أحد حتى أقطاب النظام أنفسهم ، مما جعل بقاءها والإنفاق عليها صورة من أبشع صور إهدار المال العام ، وإذ كنا نسعى إلى اعتزال النظام في تفاصيل الحياة اليومية للمصريين ، فالأولى بنا أن نعتزله في جميع ما يقوم به من انتخابات لا يتوفر لها أي قدر من النزاهة ، فإذا لم يرضخ نظام الرئيس مبارك إلى المطلب الشعبي القائل بعودة الإشراف القضائي الفعلي على صناديق الاقتراع ، وإذا لم يستجب أيضا لدعوة المراقبة الدولية والإشراف الدولي على الانتخابات القادمة من خلال دول ومنظمات لها احترامها،وإذا لم يوفر الضمانات الكافية كإسناد الأمربرمته إلى هيئة محايدة يتمتع أعضاؤها بالسمعة الطيبة والاستقلالية ، فليس أقل من مقاطعة شاملة لهذه الانتخابات ووصم كل من يشارك فيها بالتعاون مع سلطة تمارس القهر والاستبداد ولا تتحلى بأي قدر من الممارسة الديمقراطية ، وإذا كانت الدولة المصرية على مدى قرابة الثلاثة عقود قد تخلت عن أدوارها الحقيقية في توفير أدنى درجات العدالة الاجتماعية والرعاية الصحية وعوامل الأمن والسلامة للمواطنين ، ومارست من خلالها جماعات المصالح ورجال الأعمال عمليات تجريف لم تحدث من قبل للثروة في مصر على أوسع نطاق ، وما تزامن مع هذا التخلي من القيام بأدوار لا تقوم بها أعتى الأنظمة الاستبدادية - تمثلت في تمديد العمل بقانون الطوارئ وسن القوانين المضادة لمصالح الشعب والسالبة للحريات ناهيك عن فرض الجبايات والإتاوات وممارسة البلطجة وإضعاف روح الانتماء لدى عموم المصريين ، وإشاعة روح اليأس مما أسهم بدور فاعل في تدهور المجتمع المصري في مختلف قطاعاته وشرائحه وعلى جميع المستويات، كما قامت بأدوار لا تقل تواطؤا عن ذلك على المستويين العربي والإقليمي – فليس أقل من مقاطعة هذا النظام واعتزاله وتعريته هو و كل من يتعاونون معه منتفعين من بقائه جاثما فوق أرواح المصريين ، هذه دعوة فهل من مستجيب ؟

الأحد، 8 نوفمبر 2009

مؤتمر الكثرة المرتبكة

منذ أيام انفض مؤتمر الحزب الوطني وذهب كلٌ إلى حال سبيله ظانا أنه حقق ما أراد ، والحقيقة أنه لا توجد خيبة أمل واحدة لم تلحق بالمؤتمرين ، فما بين كلمات الافتتاح والختام ، والهجوم على المعارضة والإخوان وما بين محاولة الأب وقف عجلات الزمن والتحلي بروح الدعابة والحديث مجددا عن الصرف الصحي – كان المشروع القومي في فترة الولاية الأولى وربما لازال- وبين محاولات أمين التنظيم تلميع الابن بشدة حتى كادت الطبقة الخارجية تتآكل – تبدى بوضوح أن هناك حالة ارتباك تنتاب الجميع رغم توزيع الأدوار بمهارة بين الهجوم والدفاع والتمترس خلف شرعية البنى التحتية وإمكانية حل مشكلة القمامة في القاهرة والجيزة مع إرجاء بقية المحافظات إلى ما بعد مونديال جنوب إفريقيا ، وقد اتضح بما لا يدع مجال للشك أن الحزب الذي احترف أعضاؤه التصفيق بأنواعه منذ إنشائه ، اتخذ بعضهم الامتناع عنه تعبيرا عن عدم ترحيبهم بالانتقال الآمن للسلطة والذي يرونه لن يكون بحال آمنا بالنسبة لهم ، تزامن مع هذه الفعاليات المباركة جدل واسع حول دعوة الأستاذ هيكل إلى تشكيل مجلس أمناء ، ودعوة الإعلامي عماد أديب إلى استصدار قانون بعدم محاسبة الرئيس ،وكذلك الحديث عن ترشح الدكتور محمد البرادعي في انتخابات الرئاسة القادمة ، ولا شك أن هذا الجدل قد ألقى بظلال كثيفة على المؤتمر ، إذ تسرب إحساس عارم باليأس لدى الغالبية مفاده ، أن التقارير التي لا يمكن أن تقول غير الحقيقة ذكرت أن عملية التوريث لازالت من الخطورة بمكان ،وإنها وإن مرت فسوف تؤدي إلى كارثة ونهاية مؤسفة في غضون عامين على أقصى تقدير ، كذلك فإن كلام الإعلامي أديب – وهو مقرب من مؤسسة الرئاسة المصرية – لا يجب غض الطرف عنه ، لأنه ببساطة شديدة دعوة لتأمين خروج الرئيس مبارك وهذا أمر خطير لا يمكن أن يأتي به أيا من كان من عنده ، تزامن ذلك أيضا مع تنامي الدعوة للرقابة الدولية على انتخابات البرلمان العام القادم ، وكما يعلم الجميع أن النظام المصري يشارك من خلال بعض مؤسساته في الرقابة على الانتخابات في عدة دول وبالتالي فهو لا يملك الأسباب الموضوعية للرفض ، إلا إذا كان ينتوي تزوير الانتخابات – لا سمح الله – تلا ذلك ترحيب الدكتور البرادعي بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية بشرط ضمان نزاهة الانتخابات مما يدعم الدعوة للمراقبة الدولية وخصوصا أن الدكتور البرادعي يحظى بدعم وتأييد الكثير من الدول ذات الثقل على الصعيد الدولي لما قام به من جهود في مكافحة انتشار الأسلحة النووية ناهيك عن حصوله على جائزة نوبل للسلام ، كل ذلك كان له أكبر الأثر في التأكيد على أن الظروف المحيطة بانتخابات الرئاسة في 2011 ستختلف تماما عنها في 2005 ، كما يمكن القول أن هناك حالة من عدم الاطمئنان تسيطر على كثير من رجال الأعمال والمرتبطين بالنظام ،دعت الرئيس إلى توجيه اللوم لبعضهم ممن يديرون محركات طائراتهم الخاصة ؛ ليكونوا على أهبة الاستعداد إذا حدث ما لا تحمد عقباه حسب أحد المصادر ،ومما يؤكد هذه الرؤية أن الحديث عن التعديلات الوزارية بدأ فور انتهاء فعاليات المؤتمر بإطلاق شائعات عن إبعاد بعض الوزراء الذين حظوا خلال الفترة السابقة بالرفض الشعبي التام وعلى رأسهم وزيري التعليم في محاولة يائسة لاسترضاء الشعب الذي يصر باستماتة على أن يكون خارج أوراق اللعبة السياسية ، هكذا يبدو النظام الذي احترف سد آفاق التغيير في حيرة من أمره دفعت البعض للحديث عن إيجاد بديل من داخل النظام فطرحت أسماء مثل علي الدين هلال ومحمد كمال للإبقاء على آمال الاستمرار بأي وسيلة كانت ، كما تجدر الإشارة إلى أن استعلاء وتبجح بعض قيادات الحزب مثل أحمد عز وهجومه الضاري وغير المبرر على قوى المعارضة المستأنسة كان بمثابة التمسك بأهداب الأمل في إعادة وحدة الصف داخل النظام والذي يبدو أنه تحول بالفعل إلى جزر منعزلة ، تتضارب مصالحها بشكل لا يخفى على أحد ، وترتكب من الحماقات ما لو اتفقت القوى المعارضة للنظام على تحقيقه لما استطاعوا ، لا أشك أن النظام يعيش أسوأ فتراته وأنه الآن في حالة تحلل ما تلبث أن تؤدي به إلى النهاية ، وأن وتيرة الأحداث قد تنبئ بانفراط عقد هذه الطغمة التي جثمت على أرواحنا قرابة العقود الثلاثة ، فالتغيير سنة كونية من جاهدها فهو أكبر الواهمين .