الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

اعتزال النظام

في حالة الأنظمة المزمنة التي لا تعرف الحياء وتعاند الزمن والناس ، لا بد للشعوب أن تبحث عن بدائل ، فإن استعصت تلك الأنظمة على العزل وجب على الشعوب اعتزالها ؛ لتزول من تلقاء نفسها بعوامل الفناء الذاتي وبالصراعات الداخلية والتقاتل على المغانم ، واعتزال النظام بمعني إقصائه عن حياة الناس ليست فكرة جديدة ، فقد قرأنا منذ سنوات لأحد الكتَّاب طرحا مفاده أن يصحو المصريون مبكرا ذات يوم ويتوجهوا جميعا نحو الحدود ليتركوا مصر خالية وعلى حد قول الرجل ( ويشوفوا بقى هيحكموا مين وهيتجبروا على مين ) والفكرة السابقة على طرافتها وتطرفها واستحالة تنفيذها تطرح إمكانية اعتزال النظام بتقليص التعامل معه إلى أدنى الدرجات ، وعدم اللجوء إلى مؤسساته التي ضرب الفساد في أطنابها والعودة إلى المجالس العرفية وآليات فض المنازعات الشعبية ؛ لحل الخلافات وابتكار طرق جديدة للتوثيق وإثبات الحقوق لأصحابها و تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في التصدي للمشكلات المجتمعية بعيدا عن أدوار لا تقوم بها الدولة إلا على أسوأ حال - وأي فائدة ترجى من الاحتكام إلى نظام لا يستطيع رفع القمامة من الشوارع لأسابيع عديدة - ونذكر أنه من سنوات كانت حركة كفاية – على ما أظن – قد دعت للامتناع عن سداد فواتير الكهرباء والماء والتليفون – خاصة – بعد ارتفاع أسعارها بشكل صادم بسبب احتساب معدلات استهلاك هي أقرب إلى الخيال غير العلمي ، وبعد ما تبين باعتراف بعض المسئولين أنها تقوم على تقديرات جزافية تقترب من عمليات النصب العلني . إن هناك كثيرا من الممارسات اليومية التي يمكن تطبيقها لاعتزال هذا النظام ،وهي بمثابة شكل من أشكال المقاومة السلبية ، على طريق العصيان المدني ، إن نظام الرئيس مبارك الذي تآكلت أي شرعية لوجوده يسعى جاهدا إلى ضخ دماء تبقيه على قيد السلطة لأطول فترة ممكنة ، وهذه الفترة تطول أو تقصر بحسب ما يمكن أن تقدمه الجماهير من تضحيات لإزاحته ، وإذا كان من الصعب الآن أن ندعو إلى فعل إيجابي حقيقي يقابل من قبل النظام الآفل بالبطش الإجرامي ،فليس أقل من أن ندعو عموم المصريين إلى اعتزال النظام ، وليس علينا إلا طرح بعض البدائل المنطقية القابلة للتحقق ، وهي دعوة أزعم أنها ستلقى ردود فعل إيجابية قياسا بعزوف الناس – مثلا - عن الإعلام النظامي بكافة أشكاله حتى باتت قنواته و صحفه ومطبوعاته بمثابة وسائل إعلام سرية لا يتعاطاها أحد حتى أقطاب النظام أنفسهم ، مما جعل بقاءها والإنفاق عليها صورة من أبشع صور إهدار المال العام ، وإذ كنا نسعى إلى اعتزال النظام في تفاصيل الحياة اليومية للمصريين ، فالأولى بنا أن نعتزله في جميع ما يقوم به من انتخابات لا يتوفر لها أي قدر من النزاهة ، فإذا لم يرضخ نظام الرئيس مبارك إلى المطلب الشعبي القائل بعودة الإشراف القضائي الفعلي على صناديق الاقتراع ، وإذا لم يستجب أيضا لدعوة المراقبة الدولية والإشراف الدولي على الانتخابات القادمة من خلال دول ومنظمات لها احترامها،وإذا لم يوفر الضمانات الكافية كإسناد الأمربرمته إلى هيئة محايدة يتمتع أعضاؤها بالسمعة الطيبة والاستقلالية ، فليس أقل من مقاطعة شاملة لهذه الانتخابات ووصم كل من يشارك فيها بالتعاون مع سلطة تمارس القهر والاستبداد ولا تتحلى بأي قدر من الممارسة الديمقراطية ، وإذا كانت الدولة المصرية على مدى قرابة الثلاثة عقود قد تخلت عن أدوارها الحقيقية في توفير أدنى درجات العدالة الاجتماعية والرعاية الصحية وعوامل الأمن والسلامة للمواطنين ، ومارست من خلالها جماعات المصالح ورجال الأعمال عمليات تجريف لم تحدث من قبل للثروة في مصر على أوسع نطاق ، وما تزامن مع هذا التخلي من القيام بأدوار لا تقوم بها أعتى الأنظمة الاستبدادية - تمثلت في تمديد العمل بقانون الطوارئ وسن القوانين المضادة لمصالح الشعب والسالبة للحريات ناهيك عن فرض الجبايات والإتاوات وممارسة البلطجة وإضعاف روح الانتماء لدى عموم المصريين ، وإشاعة روح اليأس مما أسهم بدور فاعل في تدهور المجتمع المصري في مختلف قطاعاته وشرائحه وعلى جميع المستويات، كما قامت بأدوار لا تقل تواطؤا عن ذلك على المستويين العربي والإقليمي – فليس أقل من مقاطعة هذا النظام واعتزاله وتعريته هو و كل من يتعاونون معه منتفعين من بقائه جاثما فوق أرواح المصريين ، هذه دعوة فهل من مستجيب ؟

ليست هناك تعليقات: