الاثنين، 31 مايو 2010

هكذا إذن

في كل الأحوال تكون قوة عدوك ، هي خصمٌ من رصيد قوتك ، وكلما تنامت هذه القوة كلما كان ذلك دليلٌ على تنامي عجزك ورضوخك وقلة حيلتك ،وبالنظر إلى عِبر التاريخ التي تتجلى في اختلال موازين القوى عبرَ مراحل الصراع ، يمكن القبول بتفوق طرفٍ على حساب آخر ، باعتبار أن الدول جميعها تمر بمراحل ازدهار واضمحلال تتحرك فيها بين مربعات التفوق والضعف ، وكل ذلك أيضاً وبحسابات المنطق يمكن أن يكون مقبولاً ، أما غير المقبول أن تكون قوة عدوك مرتكنة في أغلبها إلى دعمك ومساندتك ؛ ارتباطاً بظروف بقائك غير الشرعي ، فتتابع أحداث الصراع وتشابك ملابساتها يمكن أن يؤدي إلى قناعة لدى أحد الأطراف مفادها ، أن أسباب القوة الحقيقية لا تطال إلا بوصول العملاء إلى أماكن صنع القرار في الدول المعادية ، وهذه هي الحالة في الصراع العربي الصهيوني بامتياز، الدولة العبرية ترى أن بقاء الأنظمة العربية على حالها من الفساد والاستبداد هو أكبر ضمانة لبقائها ، وترى أيضا أن أي محاولة لتغيير هذه الأنظمة ولو بالطرق السلمية هو تهديد مباشر لمصالحها ،بل لوجودها ، وهذا مما لا يخفيه الصهاينة أنفسهم ،انظر- مثلا- إلى دعوة الصحفي الصهيوني البارز في يديعوت أحرونوت (ألوف بن) لجميع طوائف الشعب الصهيوني بالصلاة والتضرع إلى الله أن يحفظ حياة الرئيس مبارك ويطيل في عمره ، لأنه بحسب تصريح بنيامين بن إليعازر يمثل كنزا استراتيجيا للدولة العبرية ، وليس فيما تتناقله تلك الصحف من أخبار وموضوعات عن الارتباط القوي بين أمن إسرائيل ،وبقاء نظام مبارك جاثمًا فوق روح مصر ، أدنى درجة من درجات التجريح أو إساءة الأدب ، لأن هؤلاء إنما ينطلقون من عقيدة ترتكز على أسس المنفعة المتبادلة ، لذلك يستطيع أي مسئول في الحكومة لديهم أن يعدد لك ما قدمته الدولة العبرية لنظام الرئيس مبارك من دعم مباشر وعبر وساطات لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، جعلت النظام المصري يفلت غير مرة من الوقوع في براثن الغضبة الأمريكية ، خاصة فيما يتعلق بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان واضطهادالأقليات والشواذ،والغياب الكامل للممارسة الديمقراطية عن كل ما يقوم به نظام الرئيس مبارك من انتخابات ، والمخالفة الصريحة لكافة الأعراف والمواثيق الدولية فيما يتعلق بغياب الشفافية وانتشار الفساد واستغلال النفوذ وتفشي الرشوة في جميع قطاعات الدولة المصرية بلا استثناء واحد ، لذلك عندما يقوم النظام المصري بإحكام الحصار حول غزة وبناء الجدار الفولاذي ، كذلك إصراره على منح الصهاينة الغاز المصري بدون ثمن تقريبا ومن قبله البترول المصري الذي يدير آلة الحرب الإسرائيلية ، وكذلك تقديمه الحديد والأسمنت المصري لبناء الجدار العازل ، بأسعار لا تقبل المنافسة ، وغير ذلك من الخدمات التي يقدمها الجانب المصري لصديقه الصهيوني – يبقى كل ذلك في إطار الوفاء بالالتزامات المقطوعة بين الطرفين بوصفهما – بما لا ينافي الحقيقة – قوتي احتلال لكل من مصر وفلسطين ، وهذا ليس من قبيل الهجوم على نظام الرئيس مبارك بقدر ماهو أمر تؤكده كل الأحداث والوقائع ، ويبرره التزام النظام في مصر بلغة خطاب تتسم باللطف الشديد عند الحديث عن أية تجاوزات يقوم بها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني ، ذلك لأنهما يتفقان كقوتي احتلال على ممارسة الأساليب القمعية ، ويبدو هامش الاختلاف بينهما في هذا الشأن غير ذي بال ، لذلك فإن الحديث عن الخلاف الجوهري بين كلا القوتين يصبح لا محل له من الإعراب ، تماما كالحديث مع دوائر صنع القرار الأمريكي عن خطورة الاستيطان ، وتغيير خرائط الديموغرافيا في الأرض المحتلة عن طريق هدم المنازل والتهجير القصري وغير ذلك من الممارسات الاستيطانية ، متناسين أن المجتمع الأمريكي هو أكبر تجمع استيطاني في التاريخ ،قام على الإبادة الجماعية لشعوب القارة بأسرها ، إن الحديث مع هؤلاء جميعا – الأطراف الثلاثة – لابد أن ينحو منحى مختلفا ، فلغة التنديد والشجب واستدرار الدموع ،تبدو لغة غير مفهومة على الإطلاق لدى الكافة ، لأنهم لا يفهمون غير لغة القوة والمصالح المتبادلة ، في حين تبدو القوى الدولية الأخرى غير معنية بالصراع بدرجة كبيرة ، مما يؤكد أن الحسابات قد آن لها أن تتبدل بغض النظر عن أية اعتبارات نتمسك بها ونعتبرها ثوابت ، بينما هي في حقيقتها لا تعدو كونها خصما صريحا من رصيد قوتنا ، وإضافة حقيقية لقوة أعدائنا .

الأربعاء، 19 مايو 2010

كَرَامَةُ السُّكَّانِ وحُقُوقُ المالِكِينَ

يبدوالحديث عن كرامة المصريين هذه الأيام في الداخل والخارج مشابهًا تمامًا لحديث ذلك الشيخ الذي وقف مخاطبًا الفلاحين المعدمين في إحدى قرى مصر عن حكمة العلي القدير في تحريم لبس الذَّهب والحرير على ذكور أمَّة محمَّد – صلى الله عليه وسلم - لما في لبسهما من منافة للخشونة الواجبة للرجال ، وتبدو تساؤلاتنا عن هذه الفقيدة ، كتساؤل فلاح معدم من هؤلاء عن أصناف الحرير وأسمائه وأشكال نسيجه ؛ حتى يتحرز من الوقوع في هذا الإثم المبين . إذن ليس هناك ما يدعو إلى الحديث عن الكرامة المهدرة للمصريين في الخارج، ففي هذه الفترة الحالكة من تاريخ مصر لا يصحُّ أن نتحدثَ عن مثل هذه الأمور، حتى لا نتَّهم بالحديث في أمر غير ذي موضوع ، ذلك لأنَّ الحديثَ عن الكرامة ، سَيُسْلِمُنَا – ولاشك- إلى مقومات هذه الكرامة والأسس التي تبنى عليها ، والضوابط التي يجب مراعتها للحفاظ عليها بعيدًا عن متناول الأطفال ، ونحن من كل ذلك – في عصر الرئيس مبارك – حفاة عراة ، لا يتكففنا النَّاس ،بل يفاخرون بقتلنا أمام شاشات التلفزة ولا يمانعون في أخذ الصور التذكارية مع جثثنا الممثل بها . فعندما تتعامل دولة مع مواطنيها على أساس أنَّهم سكان وتسمي وزارة بهذا الاسم ( وزارة الصحة والسكان ) فماذا يعني ذلك ،هل يعني ذلك أن المصريين يعاملون من قبل الدولة بوصفهم سكانًا ، تنتهي الصِّلة بهم بمغادرتهم أرض الوطن (العين محلُّ النزاع ) ولذلك لا نرى سفيرًا أو قنصلاً مصريًا تهتز في جسده المبارك شعرة ،أو يطرف له جفن ، إذا سمع عن اختطاف مصري أو تعذيبه أو قتله ، باعتبار أنَّه ساكن مغادر ربما لم يدفع الأجرة المتأخرة ، وما يفلح فيه هؤلاء الموظفون هو تبرير تلك الأحداث الدَّامية بمبررات تتعلق بفردية هذه الافعال ، بينما شعوب العالم قاطبة تكن كل التبجيل والاحترام للشعب المصري فردًا فردًا ، اعترافًا بفضل القيادة الحكيمة والنظام (التمرجي ) . فهل توجد دولة في العالم تعامل مواطنيها كما تعامل الدولة المصرية سكان مصر ، وربما يكون هذا الكلام هو إجابة لسؤال مفاده كيف وصل هؤلاء القتلة في لبنان واليونان ونيجيريا ومن قبل في إيطاليا وروسيا والعراق والولايات المتحدة إلى هذه الدرجة من الاطمئنان إلى ردة فعل الدولة المصرية الهادئة الضابطة للنفس ، التي لا تكتفي بإهدار حقوق وكرامة مواطنيها في الداخل حتى تغري بهم سفاحي العالم وقتلته ومَهْوسِيه ، وكأنَّ هؤلاء القتلى المصريين في أربعة أنحاء الأرض لا يحملون جنسية بلد موجود ولو على سبيل الاعتبار، رغم أنَّهم يحملون على عواتقهم في تلك البلاد جرائر أفعال هذا النظام المبارك الذي لا يصدر عنه إلا كل ما يشين ويجلب العار تسديدًا لضريبة بقائه التي تؤدى إلى السيد الأمريكي بمباركة الربيب الصهيوني . وليس أبلغ من تعليق الرئيس مبارك في خطابه في يناير الماضي عقب أحداث الاعتداء على المصريين في الجزائر أنه لا يقبل مثل ذلك على الإطلاق حيث أن (( كرامة المصريين من كرامة مصر )) هكذا إذن عرفنا أين ذهبت كلتا الكرامتين ؟ إنَّهما ترقدان الآن بسلام تحت نعال ذلك التشكيل العصابي الذي يحكم مصر كقوة احتلال ، لا تجيدُ إلا نهبَ ثروات الوطن وتتفنن في التنكيل بعموم المصريين وإذلالهم في الداخل والخارج ، حيث لا مجالَ لمساءلة مسئول ، ولا سبيل إلى استرداد حق من أيدي ناهبيه ، ناهيك عن دفع الضرعن البؤساء الذين أوقعتهم الأقدار ضحايا الانتماء إلى دولة لا هي تدول ، ولا هي تُبْقِى على الحد الأدنى من احترامها لوجودها في عالم يموجُ بدول تختلقُ المواقفَ لإثبات ذاتها وقدراتها وأذرعتها الطويلة .

الخميس، 6 مايو 2010

لزوم ما لايلزم

ولست بمصدق أن الرئيس ورجاله يعتقدون أن مصر التي نعرفها ونعيش مآسيها ، هي نفسها مصر التي يعرفونها ويعيشونها ويرفلون في نعيمها المقيم ،والرئيس مبارك إذ يدعو المصريين جميعا على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ، إلى أن يكونوا على كلمة سواء ؛ يدرك أن هذا محض خيال فكيف يجتمع 80% من الشعب المصري يحصلون على 20% فقط من الدخل القومي مع 20% من المصريين ينالون 80% من الدخل نفسه ،إن اجتماع هؤلاء وهؤلاء على كلمة سواء أمر يشبه ائتناس الحملان بالذئاب ، والتئام الجراح في أكناف الحراب ، فهل وعى كاتبو الرئيس إلى اي درجات الغي والكذب قد وصلوا ، إن احتمال تصديق المواطن المصري البسيط المكتوى بنيران الغلاء والقوانين الجائرة لما أفاض واستفاض فيه الرئيس مبارك في كلمته يوم الخميس الموافق السادس من مايوبمناسبة عيد العمال – يساوي تماما احتمال تصديقه أن النظام الرشيد قد احتفظ بقانون الطوارئ المعيب لمدة ثمانية وعشرين سنة من أجل محاربة الإرهاب وتجارة المخدرات ، وليس من أجل إحكام قبضة النظام المستبد على مقدرات الشعب وقمع المعارضين من أبناء مصر الشرفاء ، وإذا كان فخامة الرئيس قد تساءل عن برامج رافعي الشعارات بشأن رفع مستوى معيشة المواطنين ، فمن حقنا أن نسأله لماذا أصبحت مصر في عهده في ذيل الأمم حسب تقارير كافة المنظمات الدولية في مجالات كالتنمية والحريات والشفافية وحقوق الإنسان ، بينما احتلت مراكز متقدمة في الفساد ونهب المال العام والقوانين المعيبة والمخالفة لكافة الاعراف والمواثيق الدولية والتي وقعت عليها مصر من قبيل عدم الخروج على الإجماع الدولي ، وهل يدري سيادته أن نظامه هو الأول بامتياز في الضرب بأحكام القضاء عرض الحائط وآخرها حكم المحكمة الإدارية العليا برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200جنيه لمواجهة غلاء المعيشة وإحداث التوازن بين الأجور والأسعار والذي علق عليه الرئيس ملمحا بقوله ((إن أى زيادة غير واقعية للأجور غير مقبولة لأنه يجب أن تراعى معدلات الإنتاج حتى لا يزيد التضخم )) فهل يجوز يا سيادة رئيس الجمهورية التعليق على حكم قضائي نهائي بات ؟ وهل يصح وصمه بعدم الواقعية ؟ من حقنا أن نسال الرئيس أيضا أي خيال مريض في أن يكون الحد الأدنى للأجور 1200جنيه والأقصى 25000جنيه ؟ ولماذا لا تتجاوز ميزانية الأجور 17 مليار جنيه بينما تخصص حكومة سيادته ما يربو على 40 مليارجنيه على سبيل المكافآت و البدلات والإضافي وغيرها من المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ أم أن سعي سيادته للوقوف بجانب الفقراء لازال في خطواته الأولى بعد مرور قرابة العقود الثلاثة من حكمه السعيد الذي لا يستنكف كاتب الرئيس أن يقول قرب نهاية ولايته الخامسة (( دعونا نستثمر جهودنا لتصحيح أسلوبنا الحالى لكى يصل الدعم إلى مستحقيه )) ومن منعك من استثمار الجهود يا من اعترفت الآن أن الأسلوب خاطئ ويحتاج إلى تصحيح ، ألم تكفي ثلاثون عاما من المحاولات المضنية ؛ ليصل الدعم إلى مستحقيه ، كما وصلت مليارات المال العام بكل سلاسة إلى جيوب ناهبيه ، ألم تكفى ثلاثون عاما عجافا من حكم الرئيس مبارك ، لتكوين قناعة حقيقية لدى الرئيس ورجاله أن التصريحات التي لاتقف على أرض الواقع ، وتظل معلقة في فراغ الإنشاء ،لا تطعم جائعا ولا توجد فرصة عمل لعاطل ؟ ألم يترامى إلى مسامع سيادته أخبار شهداء الخبز والبوتجاز وضحايا الغذاء المسرطن؟ ألم يسمع بثورة المحرومين من مياه الشرب في دلتا مصر ، ولا بمنكوبي الدويقة ومنشأة ناصر ؟ وغيرها من الكوارث التي تجل عن الحصر ، والتي تصم عهده بأسوأ ما يمكن أن يوصم به عهد ، ألم يأن للرئيس مبارك أن يستمع إلى صوت العقل والضمير ، وينهي حكمه المأساوي بيده ،فيدخل التاريخ من أوسع أبوابه ؟ أليس هناك فيما حدث لمصر من خراب في الداخل وإهانة وصغار في الخارج من عبرة يعتبر بها الرئيس مبارك ؛ فيكسر نيره عن عنق شعب مصر التعس ، إذا كان كل ما سبق لا يجد من الرئيس ورجاله أذنا واعية ، فليعلموا أنهم يذهبون بهذا الوطن المستلب في طريق الفوضى والضياع ، أما الروح والدم اللذان فدى بهما الحاضرون الرئيس أثناء خطابه وبعده ، فإنها ستراق للأسف في
غير ما زعموا ... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ .