الثلاثاء، 27 يوليو 2010

ماراثون الرئيس

بافتراض حسن النية في كل من يتصدى للحديث في الشأن العام من السادة المسئولين أحاول جاهدًا أن أصدق كل ما يدلون به من تصريحات ، كما أحترم أيضًا أنَّ بعض تلك التصريحات تحتاج إلى شيءٍ من التفكير وإعمال العقل لأخذ العبرة والعظة واستلهام الدروس المستفادة ، وفي كثير ٍمن المرات أضبط نفسي متلبسًا بالاستلقاء على الأرض من شدة الضحك ، إذ أن بعض ما يصرِّح به هؤلاء السَّادة لا يخلو من طرافةٍ وخفة ظل ٍملفتةٍ للنظر ومشجعةٍ لمحبي النكتة من أبناء شعبنا الظريف . ومن أطرف ما سمعنا في الأيام الأخيرة من تصريحات كان تصريح السفير سليمان عواد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية إذ قال (( إنَّ العاملين فى مؤسسة الرئاسة وبقية الوزارات يلهثون وراء السيد الرئيس ؛ ليواكبوا سرعة حركته لأنَّ الرئيس لا يكلُّ من العمل وذلك من منطلق حرصه على متابعة جميع التقارير اليومية والاتصالات التى يتلقاها ويجريها مع كل من يعمل بالعمل السياسى فى مصر)) . هذا التصريح الخطير الذي أدلى به سيادة السفير يفصح عن أمور ربما تغيب عن أذهان العامة أولها وأخطرها من وجهة نظري هو ضعف اللياقة البدنية الواضح والخطير لدى العاملين بمؤسسة الرئاسة وبقية الوزارت ،مما يؤكد الحاجة الملحة إلى عودة اليوم الرياضي إلى مدارسنا على اختلاف مراحلها ، كما تؤكد هذه التصريحات وجوب الاستفادة القصوى من فترة الإجازة الصيفية في ممارسة الأنشطة المدرسية ، وفي المقدمة منها النشاط الرياضي . كما يتعين علينا تحديد الجهة المسئولة عن لياقة العاملين بمؤسسة الرئاسة ؛ وذلك لبدء المحاسبة فورا على التقصيروالإهمال في العمل وما ترتب على ذلك من لهاثٍ بدا واضحًا للعيان قام به العاملون بالمؤسسة المرموقة بقصد المواكبة لتحركات سيادة الرئيس التي لم تخل من رشاقة ملحوظة ، أمَّا مكمن الخطورة في الأمر، فهو أنَّ هؤلاء العاملين يصلون إلى درجة المواكبة ( ملاحقة الموكب ) بشق الأنفس ، مما يجعلهم غير مؤهلين لحماية الرئيس إذا عرض له عارض لاقدر الله . والأخطر من ذلك أن يظلَّ السيد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ساكتًا حيال هذا الأمر الجلل ، ولا يرفعه إلى أعلى المستويات لاتخاذ اللازم ، ولا يحركه للحديث بهذا الشأن سوى حديث بعض الصحف العربية والغربية عن صحة السيد الرئيس ، ثم هو بعد ذلك يربط عدم إحساس الرئيس بالكلل من العمل بالحرص على متابعة التقارير اليومية والاتصالات ، وهو ربط في غير موضعه إذ أنَّ درجة الحرص هذه يمكن أن تقل لأي سببٍ من الأسباب مثل عدم أهمية هذه التقارير أو تكرارها أو احتوائها على أمور لاتسر ، فهل سيشعر الرئيس ساعتها بالكلل ؟ ثم ألم يفطن السيد السفير إلى خطورة استخدام لفظ الحرص وهو كما يقول المثل العربي قد أذل أعناق الرجال ، ثمَّ يزعم بعد ذلك أنَّ الرئيس يتلقَّى ويجري اتصالات مع كل من يعمل بالعمل السياسي في مصر ، ألم ينتبه سيادة السفير إلى خطورة ذلك التعميم ، الذي ربما يُفٍْهَمُ منه أنَّ الرئيس يتَّصل بالمحظورة أو ما شاكلها من جماعات وحركات تنهمك في العمل السياسي ليل نهار .فكيف تَأتَّى للرجل وهو مَنْ هو أن يقع في هذا الكم الهائل من الأخطاء في تصريح لم يتجاوزْ الأسطر الثلاث ؟ هل كان الدافع إلى ذلك هو نفي تلك الشائعات السخيفة عن صحة الرئيس أم كان ذلك بدافع التأكيد على استحالة أن تجرى طبائع الأمور كالمرض والعجز والوهن على سيادة الرئيس ؟ وهل هذا الأمر يحتاج إلى تأكيد يثير في طريقه كل هذا النقع من التشكك والارتياب ؟ يبدو واضحًا وجليًا أنَّ السيد السفير قد أساء جدًا من حيث أرادَ الإحسان ، كما يبدو أيضا أنه أثار بتصريحه هذا سحبًًا من الأسئلة حول كفاءة مؤسسة يعتز بها كلُ مصري يعيش على أرض هذا الوطن وخارجه ، مما يدفعنا دفعًا أن ننادي جميعًا ونحن على قلب رجلٍ واحدٍ باتخاذ كافة التدابير اللازمة لإيقاف هذه الحالة من اللهاث غير المحمود قبل أن تتحول إلى حالة من انقطاع الأنفاس ، تتسبب في حدوث مالا تحمد عقباه .

الاثنين، 26 يوليو 2010

الظل المعتم

ليس أسوأ من أن يتحول الكاتب إلى كاذب من أجل أن يُحَصِّل مغنمًا أو أن ينالَ مكانة ًلا يستحقها ، فمهما كانت المغانم التي يمكن حصدُها ، تبقى فضيلة أن تكتبَ ما تؤمن بصدقه أعز وأغلى ، ولكم تساءلت كلما قرأت أو شاهدت أحدهم وهو يدافع عن نظام الفساد والمفسدين ، كيف لنظام الرئيس مبارك أن يستعين بهؤلاء البؤساء الذين لا يستطيعون دفع الضر عن أنفسهم ناهيك عن دفع العار والفضيحة عن نظام سيادة الرئيس ؟ وكنت أسأل هل عَدِمَ النظام منافقين وموالسين من النوع الممتاز الذي يستطيع بحرفية كاملة أن يقلب الحقائق باطلاً ، وأن يزين الباطل ؛ حتى يراه الناس حقًا صراحاً ، تذكرت أحد هؤلاء المحترفين – يرقد الآن عاجزًا عن النطق والحركة – عندما كان ينطلق مدافعًا ومهاجمًا ، كارًّا وفارًّا ، مقبلاً ومدبرًا ، وكأنَّه في ساح الوغى يُجالد النِّصال ، فما تملك حياله إلا الإعجاب بعد أن تلعنه في سرك ، وعندما سألت بعض أهل الاختصاص أفادوا أن القيام بمثل هذا يحتاج إلى قدرات هائلة لا تتسنَّى لأنصاف الموهوبين ، أو من لديهم بقية من ضميرحي ، إذ أن هذا الصنف يدخل في صراع داخلي شديد ،تناوئه فيه خلاياه وتتمرد عليه أعصابه وتخونه دماؤه التي تجري في عروقه ، لذلك يبدو أداؤه دائمًا مدعاة ًللشفقة والرثاء ، تذكرت وقتها أحدهم وكان صحفيًا بارزًا من أبناء أعرق المؤسسات الصحفية في مصر، وقد عرف عنه معارضته الشديدة للنِّظام ، حتى أنَّه كان من أوائل من أثاروا قضية توريث السلطة في مصر في إحدى الصحف العربية التي تصدر في لندن ، كما كانت للرجل أيادٍ بيضاء في نشأة صحيفة خاصة حظت في عهده بانتشار هائل وكذلك في إصلاح حال صحيفة حزبية معروفة ، ثم كان أن سقط الرجل في براثن النظام وقبل الرشوة المقنعة ، واستنام لمزايا المقعد الوثير ، فماذا حدث له وهو الكاتب القدير ؟ سكت سيادته عن الكلام المباح ولم يستطع أن يكتب لفترة طويلة ، ثم بدأ بكتابة عمود هزيل بشكل أسبوعي في جريدة ناعقة بالمديح الفج لعصابة الحكم ، حتى بدت كتاباته أشبه ما تكون بالغزل غير العفيف في الرئيس ونجله ، وما لبث أن انزوى الرجل في الظل المعتم ، ولعل الرجل لم تواته الجرأة أن يستكتب بعض الغلمان كما كان يفعل آخر جثم على كرسي رئيس التحرير لنفس المؤسسة لعدة سنوات حتى قيل عنه أن من كتبوا له فاقوا قراءه عددًا ، كما يذكر أن أحد الكتاب المحترمين كان قد جمعه أحد برامج الهواء بواحد من برلماني النظام والذي اشتهر بنائب الراقصات ،فإذا بالنائب يخبر الرجل أنه يسلم للرجل ابتداءً بصحة كل ماسيقول ، ولكنَّه يرجوه ألا يحرجه أمام المشاهدين إحراجًا يتسبب له في المساءلة الحزبية . كما أذكرأيضا أنَّ أحد هؤلاء البائسين دخل في معركة مع أحد أقطاب المعارضة المعروفين بقوة المنطق والطلاقة اللغوية حول دور نظام مبارك في حصار غزة على الهواء مباشرة ، فسقط الرجل سقوطاً مدوياً وتحول الأمر إلى فضيحة صاخبة تناولتها وسائل الإعلام ، وكان أن وجِّهَ إلى الرجل بعد ذلك لوماً شديدًا بخصوص اختيار المعارك التي عليه أن يخوضها ، وكان لهذا الموقف المُشين تأثيرٌ كبيرٌ على مستوى إعداد بعض القيادات الحزبية للتصدي للمواجهات المباشرة على الهواء ، فقام الحزب الحاكم بإرسال بعض هذه القيادات ؛ لتلقي دورات مكثفة في هذا الشأن على أيدي كبار صنَّاع الميديا في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد اعتمدت هذه الدورات على فكرة السواتر السوداء التي تضع جميع الحقائق في مناطق الظل المعتم في الدماغ ؛ لتفقد تأثيرها في إعاقة الشخص عن تبني وجهات نظر لا يؤمن بمعقوليتها على الإطلاق ؛ ليدافع عنها بعد ذلك دفاع المستميت ، وقد رأيت وسمعت بعض هؤلاء فور عودتهم ، ولاحظت الفارق الهائل بين أدائهم قبل الدورة وبعدها ، ومدى ما حققوه من نجاح ، وقتها تبادرت إلى ذهني فكرة أن أقوم بمناشدة مسئولي نظامنا الراشد ، بشأن إدراج أسماء جميع من يتصدون للشأن العام في مصر ، المعارضون منهم قبل الموالسين ، في هذه الدورات ، ثم النزول إلى المستويات الأدنى حتى تصبح هذه الدورات متاحة لعامة الشعب بعد حين ، لنصبح بعد ذلك شعبا من المتوائمين مع الباطل والمدافعين عن الفساد والفاسدين بكل ما أوتينا من قوة ، وبذلك يرتاح الشعب من عناء مناوءة سياسات قاتليه ، بينما ينعم النظام وكهنته ومجرموه بالهدوء وراحة البال .

الجمعة، 23 يوليو 2010

وتتوالى جرائم النظام

على عكس ما توقع البعض جاءت العديد من الأحداث الأخيرة ؛ لتؤكِّد أنَّ نظام الرئيس مبارك ماضٍ في غيِّه دون النظر لاعتبارات الحراك السياسي الذي عمَّ البلاد خلال الأعوام الخمسة الأخيرة ، شاملا كل فئات المجتمع وقطاعاته- معتمدًا في ذلك - أي النظام- أبشع الأساليب وأكثرها دونية ومخاصمة للمبادئ .حتى أنَّه وفي انتخابات التجديد النِّصفي لمجلس الشورى قد مارس تزويرًا فجاً وغير مسبوق لصالح نوابه وبعض الأشخاص المنتتمين للأحزاب المتوائمة والمتعاملة والعميلة والمسماة زورًا وبهتانًا بأحزاب المعارضة ، حدث ذلك رغم تأكيد رأس النِّظام نفسه على نزاهة الانتخابات وخضوعها لكافة الضوابط القانونية ، هذا التأكيد لم يُلتفت إليه، بل ضُرِب به عرض الحائط .فإذا كان الرئيس يعلم بما حدث علم اليقين ، فلماذا قبل أن يظهر بهذه الصورة ، التي تؤكد غيابه عن صياغة العديد من القرارات الهامة ، أم أنَّ الرئيس كان يعلم أنَّ رجال حزبه لا يلقون بالا لما يقول أو يفعل ؟ أم أنَّه كعادته أعلن عكس ما ينتوي فعله ؟ ولماذا لم يحفل النظام ورجاله بتجميل صورته أمام الرأي العام أو المجتمع الدولي رغم صدور العديد من التقارير الدولية التي تؤكد غياب النزاهة عن كافة الانتخابات التي يقومون بها ؟ ولماذا وصلوا إلى حد توزيع مقاعد الشورى على الأحزاب المتوائمة كهدايا لا ترد ؟ لعل مرد ذلك يُعْزى إلى تلك المعرفة العميقة بأزمة هذه الأحزاب وعدم قدرة رجالها على مقاومة الإغراء الذي تمثله هذه المقاعد بالنسبة لأناس عاشوا أعمارهم في انتظار السقوط بالرشى المقنعة ، كما أنها مثلت جوائز ومكافآت للدور الذي لعبته تلك الأحزاب ضد الدكتور البرادعي ، وتخيل رجال الحكم أنه صبَّ في صالحهم ، بالتقليل من شأن الرجل أمام الرأي العام ، بينما الحقيقة أن الرجل زاد مصداقية بابتعاد هذه الأحزاب عنه ومناصبتها إياه العداء . إن النظام بذلك يرسل رسالة واضحة لكل دعاة التغيير تفيد بأنه لا جدوى على الإطلاق من كافَّة الممارسات الداعية إلى التَّداول السلمي للسلطة ، كما أن الضغوط التي يمكن أن تمارسها جهات خارجية على نظام مبارك من أجل تفعيل قواعد الممارسة الديمقراطية ، يمكن التعامل معها دون أن تمثل خطرًا يذكر ، وهو في ذلك- أي النظام- إنما يلعب على عامل الوقت ، من أجل بث اليأس في نفوس دعاة التغيير، مما يستدعي القول بأنه إذا كان صندوق الانتخاب هو الوسيلة الوحيدة للتغيير في الدول التي تحترم شعوبها ، فإنَّه لايجب علينا أن نعدم الوسائل الأخرى إذا غابت هذه الوسيلة أوغيبت من قبل نظام يمارس الكذب والتزوير في كل ما يمارس بفُجرٍ واضح . أما الجديد الذي يجب أن نتناوله بالرصد والتحليل فهو ما يمكن تسميته بتطوير وسائل الهجوم من قبل التشكيل العصابي الحاكم بهدف إضعاف كافة القوى المناوئة لبقائهم جاثمين فوق أرواح المصريين ،ولقد اتخذ هذا الإضعاف أشكالا عديدة ، أفصحت عن بقية من ذكاء ثعباني لا زال يتمتع به بعض أعمدة هذا التشكيل ، وكان من تجليات ذلك تصعيد المواجهة بين القضاة والمحامين على خلفية حادث فردي كان يمكن تجاوزه بسهولة ، تبعه الحديث عن قضاة مرتشين ومحامين راشين ، وغسيل قذر تنشره الصحف على اختلاف توجهاتها ، والواضح أنَّ ذلك كله كان محاولة ناجحة للقضاء على البقية الباقية من هيبة القضاء وثقة الناس في نزاهته . كما بدت تلك الأحداث وكأنَّها موسم تصفية الحسابات مع فئات شاركت بشكل مباشر في إحداث جدل واسع حول ضرورة التغيير . تزامن كل ذلك مع العديد من حوادث القتل والتعذيب حتى الموت والتي قام بها رجال اللواء حبيب العادلي وطوروا خلالها أداء الوزارة من القتل والتعذيب داخل السجون والأقسام ، إلى قتل المصريين في الشوارع أمام أعين الناس دون رادع من دين أو ضمير . وبالقطع فإن الوحشية التي قُتِل بها هؤلاء المصريين ، هي إحدى تجليات مخزون الحقد والكراهية على الشرفاء من أبناء هذا الوطن ، هذه الكراهية التي كرس لها النظام الفاسد الناهب لثروات مصر . لذلك يصبح الحديث عن إدانة مُخْبِرين أو ضباط أو حتى وزير الداخلية نفسه أمرا يبعث على السخرية ، فالمسئول الأول عن قتل هؤلاء ، هو الرئيس نفسه وذلك لإصراره غير المبرر على الحكم بالطوارئ لثلاثين عاما ، فجعل بذلك من نفسه الداعم الأول لانفلات بعض رجال الداخلية وتحولهم إلى قتلة بعد أن كانوا قد تحولوا في مرحلة سابقة إلى تجار مخدرات وقاطعي طريق . وكان مرد ذلك كله إلى غياب القانون الطبيعي الذي يحفظ للناس حقوقهم وكرامتهم وحياتهم ، ومع تغول الذراع الأمني للنظام وانفلاته من كل قيد يمكن أن يمثله القانون ، يذهب البعض إلى أن ما يجري يتم بتوجيهات عليا هدفها الأول إرهاب الشعب ؛ لإثنائه عن أي فعل إيجابي يعبر به عن رغبته في التغيير ، إذ أن يقينا قد تكون لدى النظام يفيد أنَّ آلاف المصريين الذين خرجوا كفئات تطالب بحقها في الحياة في أدنى صورها ما تلبث أن تخرج جموعًا غاضبةً في طول البلاد وعرضها ، ولن تستطيع جحافل النمل الأسود أن توقفها ساعتئذ .

الخميس، 8 يوليو 2010

كلام والسلام

أسعد كثيرًا كلما سمعت كلمات السيد أمين لجنة السياسات بالحزب الحاكم ، والتي يوجهها كل حين من الدهر إلى إخوانه وأخواته من الشباب الغض اليافع .. شباب الحزب الوطني الديمقراطي ، وللسعادة التي أشعر بها كلما ترامت إلى مسامعي كلماته العذبة ،أسبابٌ عديدةٌ منها أنَّه ينشر التفاؤل ويحارب اليأس أينما حل – رغم كونه يبدو متجهمًا طوال الوقت – وفي ظل ما نعيشه من ظروف مأساوية ، فإنَّ جرعات من الأمل يمنحنا إياها السيد الأمين لن تضر ، إن لم تنفع ، أما السبب الثاني لسعادتي ، فلن أستطيع أن أخفيه لأكثر من ذلك ؛ حرصا مني على إعمال مبدأ الشفافية الذي دعا السيد الأمين إلى إعماله مرارًا وتكرارًا- دون فائدة ترجى- السبب هو أنَّ السيد جمال مبارك هو قدوتي ومثلي الأعلى – ليس في التطلع إلى رئاسة الجمهورية – بل في السعي الحثيث للانفصال كليا عن الواقع ، والعيش في حالة من التحليق الدائم في سماء الأمنيات المقيدة ضد مجهول ، ونعمة الانفصال الكلي عن الواقع – لمن لا يعرفها- هي أن تستنشق عبير الأزهار في الصحراء القاحلة ؛ حتى تتهيج أغشيتك المخاطية أو يُغشى عليك ، أيهما أقرب . كما أنها تمثل درجة سامقة من درجات قبول الذات والتصالح مع النفس ، مهما كانت الظروف ، هذه الحالة الفريدة تجعل الإنسان لا يرى في نفسه إلا مُخلَّصًا للآخرين مما يحيق بهم من وبال ، وإن كان هو في حقيقة الأمر من أهم أسباب الخراب المقيم الذي يعيشه الناس ،ولأني أستمتع بهذه المقولات البالونية أيما استمتاع ، فلست من الدناءة بمكان حتى أسمح لنفسي أن أحجب أجملها وأرشقها عن قرائي الكرام على ندرتهم ، يقول السيد أمين السياسات ((إن محاربة الفساد واحترام حقوق الإنسان يأتيان ضمن أولويات البرنامج الانتخابي الجاري إعداده انطلاقًاً من إيمان الحزب بهذه المبادئ والتى تضمنتها مبادئه الأساسية. كما أن إعطاء هذين الموضوعين مكانة متقدمة ضمن محاور البرنامج الانتخابي القادم، يأتي استمرارًا للمواقف القوية والواضحة التى تبناها الحزب دائما دفاعًا عن حقوق الإنسان وتصديًا للفساد، والتي أكد عليها الأمين العام للحزب فى العديد من المناسبات كان آخرها اجتماع المجلس الأعلى للسياسات فى الأول من يوليو الجاري )) هل جاد الزمان بمثلك سيدي لطفا وخفة ، مواقف قوية وواضحة يتبناها الحزب دفاعًا عن حقوق الإنسان ، إذا كانت قوة المواقف تتبدى في كل ما يقوم به نظامك الرشيد من ممارسات تصل إلى حد البطش ، فأين الوضوح وأين الدفاع وأين الحقوق وأين الإنسان ؟ هل بقي في مصر سوى أشلاء من كل شيء ، وحطام متخلف من تركة الانهيار الكامل في كافة القطاعات ، كنت أود أن يدلل السيد جمال على تلك المواقف بذكر موقف واحد ، قام فيه حزبه الميمون بالتحرك دفاعًا عن حقوق الإنسان ، ولأني – دائما أحسن الظن – بالشاب المكافح الذي شق طريقه في الصخر ؛ مرتديا قفازات من حرير ، ارتأيت أنَّّّه كان يتقصد إنسانًا يعيش في بقعة ما من العالم ، وأنَّ هذا الإنسان قد طالته نفحات الدفاع الحزبي المجيد عن حقوق الإنسان والتي ما تلبث – بحول الله وقوته- أن تصل إلى مصر في القريب العاجل ، ارتحت كثيرا لهذا التفسير ، ولكن راحتي استحالت جحيمًا ، إذ عاجلني سيادته بعبارة أشد غموضًا والتباسًا، وأبعد تنائيًا عن الواقع ،إذ قال ((إن محاربة الفساد ليس شعارًا يتم ترديده كل حين وآخر، ولكنه جزء أساسى من مبادئ الحزب وسياساته، وأنَّ الحزب سيستمر فى جهوده فى هذا الشأن من خلال إدخال التعديلات التشريعية اللازمة للاستمرار فى سد منافذ الفساد، وتدعيم دور الأجهزة الرقابية لكشفه والتصدى له بقوة القانون وسيادته )) إلى هذه الدرجة يتفاءل السيد الأمين بعبوره الآمن في خضم بحر الفساد الذي تبحر فيه دولة سيادته ، ما هذه الثقة التي تتبدى في كلمات الرجل عن تلك الجهود المخلصة للحرب المقدسة على الفساد ، والتي تصل إلى حد إدخال التعديلات التشريعية ، ألم يدرك سيادته حجم الآلام الهائلة التي لحقت بجموع المصريين نتيجة لعمليات إدخال تعديلات سابقة ، ألم يتطوع أحد بإبلاغ الرجل أنَّ المصريين قد اكتفوا – تمامًا- من هذه الإدخلات وتلك التعديلات وهاتيك التشريعات ، لم يفلح حسن ظني هذه المرة في إخراج الرجل من مأزقه ، فقلت يا ليته سكت عن هذه النقطة ، فقد كان حديثه ، كاشفًا لعورة حزب يتحسس رأسه – دائما – من كثرة ما بها من الجراح الملوثة بروث الفساد وفضلات التحلل من كل قيمة إنسانية محترمة ، لكن ثقة الأمين في قدرته على المواجهة والتي تبدت بوضوح يشبه الصلف ،جعلتني أعزز مجددًا من رغبتي الجامحة في دعمه بكل قوة ، للترشح لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات القادمة في كوكب المريخ .

الاثنين، 31 مايو 2010

هكذا إذن

في كل الأحوال تكون قوة عدوك ، هي خصمٌ من رصيد قوتك ، وكلما تنامت هذه القوة كلما كان ذلك دليلٌ على تنامي عجزك ورضوخك وقلة حيلتك ،وبالنظر إلى عِبر التاريخ التي تتجلى في اختلال موازين القوى عبرَ مراحل الصراع ، يمكن القبول بتفوق طرفٍ على حساب آخر ، باعتبار أن الدول جميعها تمر بمراحل ازدهار واضمحلال تتحرك فيها بين مربعات التفوق والضعف ، وكل ذلك أيضاً وبحسابات المنطق يمكن أن يكون مقبولاً ، أما غير المقبول أن تكون قوة عدوك مرتكنة في أغلبها إلى دعمك ومساندتك ؛ ارتباطاً بظروف بقائك غير الشرعي ، فتتابع أحداث الصراع وتشابك ملابساتها يمكن أن يؤدي إلى قناعة لدى أحد الأطراف مفادها ، أن أسباب القوة الحقيقية لا تطال إلا بوصول العملاء إلى أماكن صنع القرار في الدول المعادية ، وهذه هي الحالة في الصراع العربي الصهيوني بامتياز، الدولة العبرية ترى أن بقاء الأنظمة العربية على حالها من الفساد والاستبداد هو أكبر ضمانة لبقائها ، وترى أيضا أن أي محاولة لتغيير هذه الأنظمة ولو بالطرق السلمية هو تهديد مباشر لمصالحها ،بل لوجودها ، وهذا مما لا يخفيه الصهاينة أنفسهم ،انظر- مثلا- إلى دعوة الصحفي الصهيوني البارز في يديعوت أحرونوت (ألوف بن) لجميع طوائف الشعب الصهيوني بالصلاة والتضرع إلى الله أن يحفظ حياة الرئيس مبارك ويطيل في عمره ، لأنه بحسب تصريح بنيامين بن إليعازر يمثل كنزا استراتيجيا للدولة العبرية ، وليس فيما تتناقله تلك الصحف من أخبار وموضوعات عن الارتباط القوي بين أمن إسرائيل ،وبقاء نظام مبارك جاثمًا فوق روح مصر ، أدنى درجة من درجات التجريح أو إساءة الأدب ، لأن هؤلاء إنما ينطلقون من عقيدة ترتكز على أسس المنفعة المتبادلة ، لذلك يستطيع أي مسئول في الحكومة لديهم أن يعدد لك ما قدمته الدولة العبرية لنظام الرئيس مبارك من دعم مباشر وعبر وساطات لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، جعلت النظام المصري يفلت غير مرة من الوقوع في براثن الغضبة الأمريكية ، خاصة فيما يتعلق بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان واضطهادالأقليات والشواذ،والغياب الكامل للممارسة الديمقراطية عن كل ما يقوم به نظام الرئيس مبارك من انتخابات ، والمخالفة الصريحة لكافة الأعراف والمواثيق الدولية فيما يتعلق بغياب الشفافية وانتشار الفساد واستغلال النفوذ وتفشي الرشوة في جميع قطاعات الدولة المصرية بلا استثناء واحد ، لذلك عندما يقوم النظام المصري بإحكام الحصار حول غزة وبناء الجدار الفولاذي ، كذلك إصراره على منح الصهاينة الغاز المصري بدون ثمن تقريبا ومن قبله البترول المصري الذي يدير آلة الحرب الإسرائيلية ، وكذلك تقديمه الحديد والأسمنت المصري لبناء الجدار العازل ، بأسعار لا تقبل المنافسة ، وغير ذلك من الخدمات التي يقدمها الجانب المصري لصديقه الصهيوني – يبقى كل ذلك في إطار الوفاء بالالتزامات المقطوعة بين الطرفين بوصفهما – بما لا ينافي الحقيقة – قوتي احتلال لكل من مصر وفلسطين ، وهذا ليس من قبيل الهجوم على نظام الرئيس مبارك بقدر ماهو أمر تؤكده كل الأحداث والوقائع ، ويبرره التزام النظام في مصر بلغة خطاب تتسم باللطف الشديد عند الحديث عن أية تجاوزات يقوم بها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني ، ذلك لأنهما يتفقان كقوتي احتلال على ممارسة الأساليب القمعية ، ويبدو هامش الاختلاف بينهما في هذا الشأن غير ذي بال ، لذلك فإن الحديث عن الخلاف الجوهري بين كلا القوتين يصبح لا محل له من الإعراب ، تماما كالحديث مع دوائر صنع القرار الأمريكي عن خطورة الاستيطان ، وتغيير خرائط الديموغرافيا في الأرض المحتلة عن طريق هدم المنازل والتهجير القصري وغير ذلك من الممارسات الاستيطانية ، متناسين أن المجتمع الأمريكي هو أكبر تجمع استيطاني في التاريخ ،قام على الإبادة الجماعية لشعوب القارة بأسرها ، إن الحديث مع هؤلاء جميعا – الأطراف الثلاثة – لابد أن ينحو منحى مختلفا ، فلغة التنديد والشجب واستدرار الدموع ،تبدو لغة غير مفهومة على الإطلاق لدى الكافة ، لأنهم لا يفهمون غير لغة القوة والمصالح المتبادلة ، في حين تبدو القوى الدولية الأخرى غير معنية بالصراع بدرجة كبيرة ، مما يؤكد أن الحسابات قد آن لها أن تتبدل بغض النظر عن أية اعتبارات نتمسك بها ونعتبرها ثوابت ، بينما هي في حقيقتها لا تعدو كونها خصما صريحا من رصيد قوتنا ، وإضافة حقيقية لقوة أعدائنا .

الأربعاء، 19 مايو 2010

كَرَامَةُ السُّكَّانِ وحُقُوقُ المالِكِينَ

يبدوالحديث عن كرامة المصريين هذه الأيام في الداخل والخارج مشابهًا تمامًا لحديث ذلك الشيخ الذي وقف مخاطبًا الفلاحين المعدمين في إحدى قرى مصر عن حكمة العلي القدير في تحريم لبس الذَّهب والحرير على ذكور أمَّة محمَّد – صلى الله عليه وسلم - لما في لبسهما من منافة للخشونة الواجبة للرجال ، وتبدو تساؤلاتنا عن هذه الفقيدة ، كتساؤل فلاح معدم من هؤلاء عن أصناف الحرير وأسمائه وأشكال نسيجه ؛ حتى يتحرز من الوقوع في هذا الإثم المبين . إذن ليس هناك ما يدعو إلى الحديث عن الكرامة المهدرة للمصريين في الخارج، ففي هذه الفترة الحالكة من تاريخ مصر لا يصحُّ أن نتحدثَ عن مثل هذه الأمور، حتى لا نتَّهم بالحديث في أمر غير ذي موضوع ، ذلك لأنَّ الحديثَ عن الكرامة ، سَيُسْلِمُنَا – ولاشك- إلى مقومات هذه الكرامة والأسس التي تبنى عليها ، والضوابط التي يجب مراعتها للحفاظ عليها بعيدًا عن متناول الأطفال ، ونحن من كل ذلك – في عصر الرئيس مبارك – حفاة عراة ، لا يتكففنا النَّاس ،بل يفاخرون بقتلنا أمام شاشات التلفزة ولا يمانعون في أخذ الصور التذكارية مع جثثنا الممثل بها . فعندما تتعامل دولة مع مواطنيها على أساس أنَّهم سكان وتسمي وزارة بهذا الاسم ( وزارة الصحة والسكان ) فماذا يعني ذلك ،هل يعني ذلك أن المصريين يعاملون من قبل الدولة بوصفهم سكانًا ، تنتهي الصِّلة بهم بمغادرتهم أرض الوطن (العين محلُّ النزاع ) ولذلك لا نرى سفيرًا أو قنصلاً مصريًا تهتز في جسده المبارك شعرة ،أو يطرف له جفن ، إذا سمع عن اختطاف مصري أو تعذيبه أو قتله ، باعتبار أنَّه ساكن مغادر ربما لم يدفع الأجرة المتأخرة ، وما يفلح فيه هؤلاء الموظفون هو تبرير تلك الأحداث الدَّامية بمبررات تتعلق بفردية هذه الافعال ، بينما شعوب العالم قاطبة تكن كل التبجيل والاحترام للشعب المصري فردًا فردًا ، اعترافًا بفضل القيادة الحكيمة والنظام (التمرجي ) . فهل توجد دولة في العالم تعامل مواطنيها كما تعامل الدولة المصرية سكان مصر ، وربما يكون هذا الكلام هو إجابة لسؤال مفاده كيف وصل هؤلاء القتلة في لبنان واليونان ونيجيريا ومن قبل في إيطاليا وروسيا والعراق والولايات المتحدة إلى هذه الدرجة من الاطمئنان إلى ردة فعل الدولة المصرية الهادئة الضابطة للنفس ، التي لا تكتفي بإهدار حقوق وكرامة مواطنيها في الداخل حتى تغري بهم سفاحي العالم وقتلته ومَهْوسِيه ، وكأنَّ هؤلاء القتلى المصريين في أربعة أنحاء الأرض لا يحملون جنسية بلد موجود ولو على سبيل الاعتبار، رغم أنَّهم يحملون على عواتقهم في تلك البلاد جرائر أفعال هذا النظام المبارك الذي لا يصدر عنه إلا كل ما يشين ويجلب العار تسديدًا لضريبة بقائه التي تؤدى إلى السيد الأمريكي بمباركة الربيب الصهيوني . وليس أبلغ من تعليق الرئيس مبارك في خطابه في يناير الماضي عقب أحداث الاعتداء على المصريين في الجزائر أنه لا يقبل مثل ذلك على الإطلاق حيث أن (( كرامة المصريين من كرامة مصر )) هكذا إذن عرفنا أين ذهبت كلتا الكرامتين ؟ إنَّهما ترقدان الآن بسلام تحت نعال ذلك التشكيل العصابي الذي يحكم مصر كقوة احتلال ، لا تجيدُ إلا نهبَ ثروات الوطن وتتفنن في التنكيل بعموم المصريين وإذلالهم في الداخل والخارج ، حيث لا مجالَ لمساءلة مسئول ، ولا سبيل إلى استرداد حق من أيدي ناهبيه ، ناهيك عن دفع الضرعن البؤساء الذين أوقعتهم الأقدار ضحايا الانتماء إلى دولة لا هي تدول ، ولا هي تُبْقِى على الحد الأدنى من احترامها لوجودها في عالم يموجُ بدول تختلقُ المواقفَ لإثبات ذاتها وقدراتها وأذرعتها الطويلة .

الخميس، 6 مايو 2010

لزوم ما لايلزم

ولست بمصدق أن الرئيس ورجاله يعتقدون أن مصر التي نعرفها ونعيش مآسيها ، هي نفسها مصر التي يعرفونها ويعيشونها ويرفلون في نعيمها المقيم ،والرئيس مبارك إذ يدعو المصريين جميعا على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ، إلى أن يكونوا على كلمة سواء ؛ يدرك أن هذا محض خيال فكيف يجتمع 80% من الشعب المصري يحصلون على 20% فقط من الدخل القومي مع 20% من المصريين ينالون 80% من الدخل نفسه ،إن اجتماع هؤلاء وهؤلاء على كلمة سواء أمر يشبه ائتناس الحملان بالذئاب ، والتئام الجراح في أكناف الحراب ، فهل وعى كاتبو الرئيس إلى اي درجات الغي والكذب قد وصلوا ، إن احتمال تصديق المواطن المصري البسيط المكتوى بنيران الغلاء والقوانين الجائرة لما أفاض واستفاض فيه الرئيس مبارك في كلمته يوم الخميس الموافق السادس من مايوبمناسبة عيد العمال – يساوي تماما احتمال تصديقه أن النظام الرشيد قد احتفظ بقانون الطوارئ المعيب لمدة ثمانية وعشرين سنة من أجل محاربة الإرهاب وتجارة المخدرات ، وليس من أجل إحكام قبضة النظام المستبد على مقدرات الشعب وقمع المعارضين من أبناء مصر الشرفاء ، وإذا كان فخامة الرئيس قد تساءل عن برامج رافعي الشعارات بشأن رفع مستوى معيشة المواطنين ، فمن حقنا أن نسأله لماذا أصبحت مصر في عهده في ذيل الأمم حسب تقارير كافة المنظمات الدولية في مجالات كالتنمية والحريات والشفافية وحقوق الإنسان ، بينما احتلت مراكز متقدمة في الفساد ونهب المال العام والقوانين المعيبة والمخالفة لكافة الاعراف والمواثيق الدولية والتي وقعت عليها مصر من قبيل عدم الخروج على الإجماع الدولي ، وهل يدري سيادته أن نظامه هو الأول بامتياز في الضرب بأحكام القضاء عرض الحائط وآخرها حكم المحكمة الإدارية العليا برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200جنيه لمواجهة غلاء المعيشة وإحداث التوازن بين الأجور والأسعار والذي علق عليه الرئيس ملمحا بقوله ((إن أى زيادة غير واقعية للأجور غير مقبولة لأنه يجب أن تراعى معدلات الإنتاج حتى لا يزيد التضخم )) فهل يجوز يا سيادة رئيس الجمهورية التعليق على حكم قضائي نهائي بات ؟ وهل يصح وصمه بعدم الواقعية ؟ من حقنا أن نسال الرئيس أيضا أي خيال مريض في أن يكون الحد الأدنى للأجور 1200جنيه والأقصى 25000جنيه ؟ ولماذا لا تتجاوز ميزانية الأجور 17 مليار جنيه بينما تخصص حكومة سيادته ما يربو على 40 مليارجنيه على سبيل المكافآت و البدلات والإضافي وغيرها من المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ أم أن سعي سيادته للوقوف بجانب الفقراء لازال في خطواته الأولى بعد مرور قرابة العقود الثلاثة من حكمه السعيد الذي لا يستنكف كاتب الرئيس أن يقول قرب نهاية ولايته الخامسة (( دعونا نستثمر جهودنا لتصحيح أسلوبنا الحالى لكى يصل الدعم إلى مستحقيه )) ومن منعك من استثمار الجهود يا من اعترفت الآن أن الأسلوب خاطئ ويحتاج إلى تصحيح ، ألم تكفي ثلاثون عاما من المحاولات المضنية ؛ ليصل الدعم إلى مستحقيه ، كما وصلت مليارات المال العام بكل سلاسة إلى جيوب ناهبيه ، ألم تكفى ثلاثون عاما عجافا من حكم الرئيس مبارك ، لتكوين قناعة حقيقية لدى الرئيس ورجاله أن التصريحات التي لاتقف على أرض الواقع ، وتظل معلقة في فراغ الإنشاء ،لا تطعم جائعا ولا توجد فرصة عمل لعاطل ؟ ألم يترامى إلى مسامع سيادته أخبار شهداء الخبز والبوتجاز وضحايا الغذاء المسرطن؟ ألم يسمع بثورة المحرومين من مياه الشرب في دلتا مصر ، ولا بمنكوبي الدويقة ومنشأة ناصر ؟ وغيرها من الكوارث التي تجل عن الحصر ، والتي تصم عهده بأسوأ ما يمكن أن يوصم به عهد ، ألم يأن للرئيس مبارك أن يستمع إلى صوت العقل والضمير ، وينهي حكمه المأساوي بيده ،فيدخل التاريخ من أوسع أبوابه ؟ أليس هناك فيما حدث لمصر من خراب في الداخل وإهانة وصغار في الخارج من عبرة يعتبر بها الرئيس مبارك ؛ فيكسر نيره عن عنق شعب مصر التعس ، إذا كان كل ما سبق لا يجد من الرئيس ورجاله أذنا واعية ، فليعلموا أنهم يذهبون بهذا الوطن المستلب في طريق الفوضى والضياع ، أما الروح والدم اللذان فدى بهما الحاضرون الرئيس أثناء خطابه وبعده ، فإنها ستراق للأسف في
غير ما زعموا ... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ .

الخميس، 29 أبريل 2010

مصر التي في الترانزيت

مدهشة هي تلك الحالة التي تعيشها مصر هذه الايام ،إذ تتجلى فيها حقائق الحاجة الملحة إلى الانتقال إلى فترة تالية دون أدنى قدرة حقيقية تدعم هذا الانتقال ، بينما تشتد الرغبة نحو التغيير ، تتزايد وبشكل مطرد تلك المؤشرات التي تلمح إلى أنه لا سبيل إلى التغيير- اللهم إلا للأسوأ - وكأن مصر المرتهنة منذ عقود قد ألفت –حد الوله- ضياعها وانكسارها وتقلص دورها ناهيك عن بؤس أحوال شعبها ، ولا شك أن عامل الوقت يشكل عنصرا مهما في معادلة الاستبداد المنغمس في الفساد والرابض حتى آخر الأنفاس فوق جثة هذا الوطن التعيس ، فعامل الوقت الذي يترتب عليه بفعل التقادم حالات من الاعتياد ما تلبث أن تتحول إلى حالة من التبلد واستمراء الهوان، يدعم وبشكل حاسم بقاء نظام الرئيس مبارك جاثما فوق أرواح المصريين إلى أبد الآبدين ، ولاتمثل عوامل الانهيار الداخلي وانعدام كفاءة أعمدة النظام قيمة تذكر في المعادلة ، طالما حافظ هؤلاء على القدر المعقول من مساحيق التجمل التي تزري بهم أكثر مما تجمل ، معتمدين على كريم الخصال التي يتمتع بها الشعب المصري والتي تجبره على تقبل أبشع الأكاذيب من باب أنهم وإن دأبوا على الكذب والتزييف ،فلربما كانت لديهم بقية من حياء تحول بينهم وبين التبجح ، ولعلها تردعهم يوما عن غيهم الذي هم فيه سادرون ،إذن فقد تشيع هذه الأكاذيب التي لايتوقف المسئولون في هذا البلد عن ترويجها حالة من الرضى في نفوس المصريين ،وتلهمهم حالة من الوجود غير الاعتباري ، وتسهم إلى حدكبير في التخلص من مخزون الغضب الشعبي ، وبهذا لا يحدث التراكم الذي يؤدي غالبا إلى الثورات الشعبية ،في هذه الحال تبقى كل أشكال المعارضة الحقيقية لنظام الرئيس مبارك دربا من دروب التمني أقرب منها إلى الفعل الجاد ،مما يدفع النظام إلى تجريب كافة اشكال التصدي لهذه المعارضة بدءً من المنع البات مرورًا بالسماح الحذر، وليس انتهاء بالتلويح بالقتل المجاني ، طالما أن الوقت في صالحهم والملعب ملعبهم،وتبدو أحيانا عمليات التجمل التي يقوم بها نظام الرئيس مبارك مكلفة وغير ذات جدوى في بعض الأحيان، وبل وغير قابلة للتسويق على المستوى الدولي ، فيسفر عن وجهه القبيح متذرعا بأن الشأن الداخلي خط أحمر لن يسمح بالتدخل فيه ،لأي من قوى المجتمع الدولي ، بالرغم من أنه ضالع وبشكل فاضح في كم من التنازلات لا يقبل به عاقل مهما كانت درجة غبائه واستبداده ، يصاحب مثل هذه الممارسات – دائما- ظواهر صوتية تصدر عن الكتبة وحملة المباخروقوادي المرحلة ، تتغنى بأزهى عصور التصاوت المجاني في فضاء الصمم النظامي ، مما يثير الشفقة ويؤكد أن نظام الرئيس مبارك ليس السبب الأهم في كارثة الأمة المصرية فحسب ، بل هو أحد مشاهد هذه المأساة المروعة بامتياز،حتى عندما يتساقط قاتلوه ومهربوه ومقامروه ومحتكروه ومهرجوه ، فإنهم يبدون في حالة تثير الرثاء بحق ، ويبدون أيضا كجزء لا يتجزأ من فصول المسرحية الهزلية التي يعرضها النظام بهدف الإلهاء والتسلية وتزجية أوقات الفراغ ، فما السبيل ؟ تبدو مصر في هذه الظروف المأساوية كالمسافر الذي فقد كل أمل له في تحديد اتجاه رحلته ، وضاعت أمتعته وجواز سفره وتذكرته ، فظل مصلوبا في صالة الترانزيت ، نعم إذا كان الزمن الذي تغنى فيه المصريون بـ (( مصر التي في خاطري وفي فمي )) قد مضى وانتهى ، فحق لنا نحن أبناء هذا الجيل أن نتغنى بـ (( مصر التي في الترانزيت )) مصر التي فقدت بوصلة تحديداتجاه المستقبل ، وهي أيضا التي لا تدري من تفاصيل حاضرها شيئا ، مصر الغائبة بامتياز ، والمريضة بداء الاستبداد الذي لا يُبْرَأ منه ، ولا يقضي عليها ، ولا من سبيل سوى انتظار الأقدار التي تبخل بالمجيء ،وإن كانت تناور بسقوط العديد من عمد النظام بفعل الفناء الذي لا يعتبر به أحد .

الثلاثاء، 16 مارس 2010

النخب وقانون الطفو

حقيقة كلما تأملت حال النخبة السياسية المصرية ، كلما تبادر إلى ذهني مباشرة قانون الطفو ، فأنت لاتستطيع أن تضع تعريفا جامعا مانعا لهذه الفئة من المصريين سوى أنهم يملؤن الدنيا ضجيجا في مجتمع تقريبا مصاب بالصمم ، أضف إلى ذلك أنهم وإن تحدثوا عن الليبرالية وإطلاق الحريات ، أوحقوق قوى الشعب العاملة ،إلا إنهم في حقيقتهم يتصرفون كأعضاء النادي الملكي للسيارات الذين لا يمنحون عضوية ناديهم الموقر لراكبي الدرجات الهوائية ، لأجل ذلك ولغيره من الأسباب المتعلقة بآفات الشخصية السياسية التي تندفع بقوة الطموح الخاص ، فيتضاءل أمامها الشأن العام بل ومصلحة الوطن ذاتها ، صارت هذه النخبة نمطا فريدا من البشر لم تعرف له المجتمعات المتحضرة مثيلاً ، فتراهم وهم المثقفون - افتراضًا- يسارعون بسد منافذ النور التي تهيئها الأقدار للناس ، فيسارعون بالهجوم على كل من تسول له نفسه تسويق الأمل للنفوس اليائسة ، كذلك فإنَّ من آفات هذه النخبة أنْ تتمترس في المركز وتتماهى معه ، على اعتبار أنَّه محط أنظار الكل وخاصة الميديا الإعلامية ، وباعتبار أنَّهم كائنات استثنائية لا غنى عنها ، ولأنَّ المخلوقات الطافية لا تستطيع الغوص ، كذلك فإن هذه النخبة لا قبل لها بالنزول إلى الناس لا على مستوى الخطاب ولا على مستوى الفعل ، وهم يرون أنَّ ذلك فوق طاقتهم ناهيك عن عدم مناسبته لطبيعتهم الانعزالية وإحساسهم المرهف ، كما أن الفساد والاستبداد يعدان بيئة صالحة جدا لهذه الكائنات الصوتية ، لذلك كان من المفترض أن تكون النخبة هي قائدة الشعب وآلته الماضية في التغيير ، فإذا بها عقبته الكأداء وسر شقائه الذي لا ينتهي . ولاشك أيضا أن الأزمة العامة التي تعيشها النخبة العاجية قد أفرزت أزمات أخرى متنوعة الأشكال والألوان ، فسارت أشكال التَّصَاوت على اختلافها وتباينها تؤدي نفس الدور الذي يصب – بلا شك – في مصلحة النظام ، وكان من آثار ذلك أن تعادت هذه المجموعات وتناحرت ، حتى أن أحدهم ليفخر – دون حياء- أنَّه وجماعته ما توجدوا في تجمع كذا إلا لإفساده والقضاء عليه ، ثم بعد ذلك يعجب هؤلاء وأولئك عندما تتعلق أبصار المصريين وقلوبهم بشخص بحجم وقامة الدكتور محمد مصطفى البرادعي كرمز للتغيير وبارقة أمل تتقد جذوتها في هذا الليل الحالك ، فيستكثرون عليه ذلك ، ويستكثرونه على الشعب المنكوب ، فتراهم وقد تخندقوا في نفس الخندق الذي يرسل منه كهنة النظام وكتبته قذائفهم البائسة ، وكأنَّ الجماعة المُنَخَّبَةَ قد فقدت صوابها تماما ، فرأيناهم يخرجون فيما تيسر لهم من أبواق ، وقد حملوا على الرجل الاتهام تلو الاتهام ، وكلها مما يثير الضحك والشفقة في آن ، فمن قائل أن مسلك الرجل يهيل التراب على التجربة الحزبية المصرية وزخمها المتقد طوال الثلاثين سنة الأخيرة ، رغم أن هذه التجربة وبشهادة كبار المتحزبين أنفسهم لا تحمل أدنى قدر من الاحترام الذي يسمح لها بالفخر أو المن على أحد أيما كان ، ومن ناعق بابتعاد الرجل عن واقع مصر والمصريين منذ زمن بعيد ، وكأن هذا الواقع التعس وما آل إليه الحال لا يعد سبة في جبين الجميع حكاما ومحكومين ، وهذا الابتعاد هو الميزة الفارقة - من وجهة نظري – فالرجل لم يتلوث بفساد ولا استبداد ولم يتورط في صفقات مع النظام ، فهل ذلك يعد من حسنات الرجل أم من سيئاته ، وفي الحقيقية أنهم لجهالتهم ولضحالة أفكارهم ولغبائهم المتناهي أيضا ، أخذوا يختلقون من الأكاذيب ما يمكن الرد عليه بأدنى الجهد ،كالترهات التي سيقت عن مستوى الرجل العلمي أيام دراسته ، وعن دوره في الحرب الأمريكية على العراق ، وعن أنه يحمل جنسية أخرى غير الجنسية المصرية – رغم أن نجلي الرئيس يحملان الجنسية البريطانية وبعض الوزراء يحملون جنسيات كندا وألمانيا والولايات المتحدة – والحقيقة أن ما أحدثه ظهور الدكتور البرادعي على الساحة السياسية المصرية من حراك لا يمكن أن يصب إلا في مصلحة المصريين ، فإما أن يدفع الرجل عجلة التغيير الذي طال انتظاره ، وإما أن يضغط من أجل تحسين شروط اللعبة السياسية ، وإما أن يتم مقضاة المحتكمين إلى القوانين التي تخالف كافة الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية أمام المحاكم الدولية ، وهو في كل ذلك محصن من تعرض النظام له بتلفيق الاتهامات ، وليس فيما سبق ما يصب في مصلحة النخبة التي ارتبطت ببقاء نظام مبارك ، رغم ما تبديه من معارضة ظاهرية في بعض الأحيان ، فأحيانا تستوجب الاستمالة إبداء بعض التمنع كما تعلمون- صفقات المقاعد الشاغرة في المجلس القادم أسالت لعاب الكثيرين - لهذا أرى أن مساندة الدكتور محمد مصطفى البرادعي ودعمه في مطالبه العادلة ،هو ظرف اللحظة الراهنة الملح ، فبكل المقاييس سنشهد عما قريب نهاية عصر تعيس ، وبداية عصر آخر له معطيات أخرى ، أما آن لهم أن يترجلوا من الأبراج .

الأربعاء، 17 فبراير 2010

عام الحسم

فور تولي الرئيس السادات - رحمه الله- مقاليدَ الحكم في مصر ، أعلن أن عام 71 سيكون هو عام الحسم ، الذي سيشهد استعادة الأرض السليبة ، ولظروف عديدة لم يف الرئيس السادات بما وعد فتأجل الحسم إلى أكتوبر 73 ثم كانت الاتفاقية في نفس العام الذي شهد انتفاضة يناير ، ومنذ هذا التاريخ وَعَى النظام المصري جيدًا عدة أمور كانت من الخطورة بمكان بحيث شكلت منهجه المختار واستراتيجيته الملهمة في التعامل مع الشعب المصري ، وَعَى النظام المصري أنَّ الشعب المصري يأخذ كلام رئيسه على محمل الجد ، ويبني على ذلك الكلام آمالاً عريضة وطموحات كبيرة ، فقرر أن تكون كل خطب الرئيس بعد ذلك كلاماً إنشائياً لا يشى بشيء ذي بال ، وما هي إلا سنوات قليلة حتى أصبح كلام الرئيس وخطبه وتصريحاته من أكثر الأشياء التي يعزف عنها المصريون ولا يلقون لها بالا ، وكانت أحداث 18/19 يناير هي الدرس الأكثر فائدة للنظام في مصر ، فمجرد أن أعلن الدكتور القيسوني عن نية الحكومة رفع أسعار بعض السلع ، إذا بالشعب المصري يخرج عن بكرة أبيه في شوارع مصر وميادينها ، ليعلن غضبته الشجاعة على هذه القرارات ، كان هذا الحدث بمثابة ورقة الطلاق الحقيقية التي تأسست عليها القطيعة الكاملة بين الشعب المصري ونظام حكمه ، ورضي كلا الطرفين بالتسوية والتزما بالشروط ، فرضي الشعب المصري من النظام بفنون التحايل و الالتفاف والتزوير والفساد المستخفي بالليل والنهار ، وقبل النظام من الشعب أن يُسَيِّرَ أموره بنفسه بعيدًا عن الحكومات العاجزة التي لا تملك حلولاً لأي مشكلة ، وكان من تفاصيل هذه التسوية أن يفي الشعب بمتطلبات النظام في شكل ضرائب تدفع دون الحصول على خِدْمَات ، باعتبار أنَّ النظام قدخرج منتصرًا من معركة يناير 77 ،وعليه فإنَّ من حقه أن يُمْلِيَّ شروطه بعد أن عاش الشعب لأيام وهم الانتصار بعد إلغاء قرارات حكومة القيسوني ، ورغم تسليم الشعب بكافة الشروط المجحفة ، إلا أن هذه الأحداث كانت قد تركت أثرًا عميقا في وعي النظام ، وكان هذا الأثر هو المحفز الأكبر لرءوس النظام على اتخاذ كافة التدابير من أجل ألا تتكرر مثل هذه الأحداث ، فتفتقت الأذهان الشيطانية عن خطط لرفع الأسعار بشكل سري ، مع توفير بدائل بالأسعار القديمة تتناقص من الأسواق تدريجيا ،ثم تختفي أو الإبقاء على الأسعار كما هي وطرح عبوات أقل وزنا ،إلى غير ذلك من الحيل التي تجود بها رءوس الأبالسة ، التي ربما لخصت نصائحها لسدنة النظام في هذه الجملة الفارقة : لا تعلن إلا عكس ما تفعل ، ولا تحسم أمرا ، ولا تقطع بشيء .. ثم افعل بعد ذلك ما يحلو لك . والحقيقة أن الحرب لم تنته بين الشعب المصري ومغتصبي السلطة في مصر ، فلا هو بقي على خنوعه ، ولا هم رضوا بما حصدوه من ثروات ، فمع صعود الأجيال الجديدة من الفاسدين زاد الطلب على ما في أيدي الناس من أموال ،فسنت القوانين الجبائية ،وعطلت أو فرغت من مضامينها كل القوانين الحامية لحقوق الشعب وممتلكاته ، حتى بلغ الاستبداد مداه بتغيير الدستور؛ ليصبح مسخا مشوها وضع لخدمة مصالح عدة أفرادٍ ، وضد عامة المصريين وخاصتهم ، وقد أفلح النظام في تمرير كل القوانين السالبة للحريات والداعمة للاستبداد دون أدنى ممانعة من النخبة التي وفقت أوضاعها بين مستفيد ومستأنس ونزيل في سجون النظام ومعتقلاته ، ومن المريب في الأمر أن الكل يؤدي دوره المرسوم بدقة فائقة ،ودون إخلال بمقتضيات الانبطاح أو النضال ، فحرية الصراخ مكفولة لمن يحب أن يصرخ ، وذهب المعز لمن يفلح في الوصول إلى موكب السلطان ، ومع طول فترة حكم الرئيس مبارك بشكل لم يتوقعه أكثر المحبين له يوم تولى الحكم في 81 ، فَقَدَ النظام عددًا من رءوسه الشيطانية المدبرة ،وبدا مترنحا في كثير من المشاهد ،حتى أنه أقصى رموزا من مواقع ذات حساسية بالغة ، ووضع مكانهم أشخاصا مقربين من نجل الرئيس لا يملكون الكفاءة ولا الخبرة ، صاحب ذلك يقين ثابت يرتكز على أن أسباب البقاء هي خارجية بنسبة كبيرة ، حتى صرح أحدهم دون أدنى إحساس بالخجل أن الرئيس القادم لن يأتي إلا بالمباركة الصهيو أمريكية ، وهو تصريح لايقال في أي مكان في العالم غير مصر ، ولا يقال في مصر إلا باعتبارات ترويج اليأس بين الناس وخاصة النخبة المبقية على شروط النضال الحقيقي ، كما أنه يعلن عن نفاد صبرالنظام في ملف التوريث الذي يتم العمل عليه منذ أكثر من أربع سنوات ، كما أنه يلوح أيضا بخطورة البدائل الديمقراطية على مصالح كافة الأطراف باستثناء الشعب الذي يعد العنصر المستبعد دائما من المعادلة ، وهو في الوقت ذاته تكريس لحالة المواقف المتميعة التي يتبناها نظام الرئيس مبارك منذ مطلع الألفية الجديدة ، ربما لتشي أن النظام في مصر به بعض الحيوية التي تسمح بوجود أكثر من رأي ، أو تقبل بوجود جدل حقيقي حول القضايا الكبرى كأمن مصر القومي ، أو آلية تداول السلطة ، أو حول تحسين شروط التفاوض مع الشعب المصري حول انتقاله من حال العبودية لدى الأب إلى الإبن ، كل هذا وغيره دون التطرق إلى أن عام 2010 هو عام الحسم ، بل هو الجسر الذي سوف تعبره مصر إما إلى الانعتاق من أسر العائلة ، وإما إلى حالة من التصاغر ،بحيث تصير مصر بما فيهاومن فيها ، أقل شأنا من عزبة يتفاوض بشأنها أطراف هم سبب بلائها بل خرابها ، ولا يقول قائل أن الرئيس مبارك أعلن عن نيته في البقاء إلى آخر نفس ، من يصدق ذلك لم يع الدرس جيدا ... قل دائما عكس ما تنتوي فعله .. أليس كذلك .

السبت، 13 فبراير 2010

المعول والدبوس

يومًا بعد يوم تزداد قلعة الفساد والإفساد والنهب والاستبداد قوةً ومنعةً ، ولهذا أسبابه المتعددة ،ومن أهمها أن حماة هذه القلعة وسكانها والمحتمين بها لا يؤلون جهدًا في سبيل الاستفادة من جميع الظروف الداعمة لوجودهم المبقية على نفوذهم وسلطانهم ، ومن أهم هذه الظروف تشرذم القوى المناوئة وتناحرها وتفرغها لانتقاد بعضها البعض برغم أن هذه القوى تعلم علم اليقين أن تبديد الطاقات في هذا الشأن لا يفيد إلا قلعة الفساد والاستبداد والمتمترسين خلف حصونها ، قكيف يتسنى لنا أن نجعل هذا العلم اليقيني واقعا معاشا ؟ إن ما يحيق بالأمم المبتلاة بالأنظمة الاستبدادية يتراوح بين حال السيطرة المتبصرة لعواقب الاستبداد،وهو ما يستلزم شيئًا من المداراة والحفاظ على الحدود المعقولة للعيش الكريم ، وبين حال الاطمئنان التام لرضوخ الشعب وخنوعه واستسلامه،وهنا لا حدود للبطش والعسف،ولا حديث عن الحياة نفسها ناهيك عن بؤسها أوكرمها ، وبما أن الحالة المصرية هي الحالة الثانية بامتياز، فإنك ترى أن حالة الاطمئنان التام إلى الغيبوبة التي أصيب بها الشعب المصري قد حدت بأهل القلعة أن يبالغوا في التنكيل به ، فتفننوا في أساليب إفنائه إمراضا وإفقارا ونهبا وإهدارا للكرامة ، كما بالغوا في الانكفاء أمام أعداء الوطن الذين يستمدون منهم القوة وأسباب البقاء ، ليس فيما ذكرت جديد ، لكن الأمر يحتاج إلى شيءٍ من إنعام النظر ، حتى نعرف كيف يكون سبيل الوصول إلى قلعة الفاسدين ، فإذا كنت ممن يظنون أنفسهم أصحاب منهج ورؤية واستراتيجية وتطمح للتغلب على هذا التشكيل العصابي ، فأنت تمتلك معولا تستطيع به أن تحطم جزءًا من أسوار هذه القلعة المنيعة ، أو أن تسقط حجرًا أو حجرين ، غيرأنَّه من الواجب عليك أن ترى كل من يخالفوك الرأي ويرون أن منهجك ورؤيتك واستراتيجيتك محل نظر- على الأقل من حملة الدبابيس ، الذين يمكنهم أن يحدثوا خدوشا في الجدران العالية ، حتى وإن استصغرت جهد غيرك إلى درجة الاحتقار، فليس من العقل أن تهدر طاقتك في الانتقاد أو الوعظ ، بل عليك أن تواصل المسير فإما أن يتبعك الآخرون اقتداءً أوغيرةً ، وإما أن تقعد بهم السبل بدافع العجز أو المغنم ، واما المدَّعون الممالؤن الذين يبدون التبرم ويخفون التزلف رغبة في مكسب أو طلبًا لتحقيق مأرب، فليس من المنطق أن تلتفت إليهم ، فإنَّك إن فعلت أضفت إليهم وانتقصت قدر نفسك واستنزفت طاقتك ، كما أن إحسان الظن بالناس مقدم إلى أن يثبتَ العكس ، ولا يغرَّنك ما هو لك من الحظ عند الناس ، فتقعد في مقام المصنِّف فتضيع حظوتك ويحبط عملك. فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ ضِدَّنَا فَهُوَ مَعَنَا كما قال المسيح –عليه السلام – فمن يدعي بعد ذلك أن اكتساب الأعداء أمر لاينافي العقل ناهيك عن حسن المقصد فهو إما واهم أو مدع ، وإذا كانت الأحكام القضائية تسقط بالتقادم ، فإن الاحتفاظ بالعداوات التاريخية يصير هزلاً في موضع الجد ، فإذا كنت لا تستطيع أن تمد يدك بالود لمن تجمعك بهم أرضيةًً واسعة من الثوابت المشتركة ، فلا أقل من أن تحتفظ لهم بشيء من الود القديم فإن الكريم- كما قالوا–من حفظ وداد ساعةٍ .إن الإخلاص للهدف النبيل يحتم علينا أن نفسح الطريق لكل من يستطيع صعود تلك السلالم التي نلقيها على أسوار قلعة الفساد والإستبداد ؛ حتى وإن قعدت بنا الأسباب أن نصعدها نحن ، ولنكن كزارعي أشجار الزيتون التي لا تثمر إلا بعد عشرات السنين ،فعلى النية والجهد يؤجر الإنسان أما النتائج فإن الله يختار لحصادها من يشاء من عباده.إن أكثر ما شد انتباهي عندما تعاملت مع الإخوة الاتراك أنهم لا يذكرون أحدا بسؤء على الإطلاق حتى غلاة العلمانية من زعماء حزب الشعب لا يتحدثون عنهم إلا بكل تقدير واحترام ويرون أن الخلاف الأيدلوجي لا يجب أن يجور على المشترك الوطني ، حتى المتورطين في قضايا الفساد لا يتم التشهير بهم ،بل إن وسائل الإعلام التابعة للحركات والأحزاب المناهضة للعلمانية المتطرفة لاتسارع بنشر هذه القضايا وتسبقها إلى ذلك وسائل الإعلام العلمانية ، ولا يكون دافعها إلى ذلك إلا محاولة التبرأ من هؤلاء والتطهر أمام الرأي العام ، حتى أن كثيرًا من محاولات الاغتيال التي تدبر للإطاحة برموز حزب العدالة والتنمية لا يكشف عنها ،دعما لمسيرة التنمية والاستقرار في البلاد ، لدرجة أن السيد أردوجان نفسه لا يعلم كم محاولة اغتيال دبرت له ، أليس في هذا النموذج الرائع قدوة ومثل لنا أم أننا سنتعامل بنفس الانتقائية المقيتة مع هذه التجربة الرائدة التي أشعرت الناس بالأمان الاجتماعي ،وخلقت من خلال التجربة العملية جيلا من الفرسان النبلاء لا تحركهم المنفعة الشخصية ولا المأرب الخاص ، حتى أنك لتعجب عندما ترى شباب الأمة التركية وهم يضرعون إلى الله في خشوع أن يحفظ لهم هذه الكوكبة المباركة من المسئولين المخلصين ، كما يتملكك العجب كله عندما ترى هذه الشعبية المتصاعدة تجتاح عموم تركيا ،حتى معاقل حزب الشعب الكمالي في إزمير وما حولها ، هل نعي الدرس جيدا ؟ أم أن الغرور وأسبقية التجربة ستحول بيننا وبين تمثل هذا الأنموذج الفذ ، فيا أيها المتمارون (( أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ)) .