الثلاثاء، 16 مارس 2010

النخب وقانون الطفو

حقيقة كلما تأملت حال النخبة السياسية المصرية ، كلما تبادر إلى ذهني مباشرة قانون الطفو ، فأنت لاتستطيع أن تضع تعريفا جامعا مانعا لهذه الفئة من المصريين سوى أنهم يملؤن الدنيا ضجيجا في مجتمع تقريبا مصاب بالصمم ، أضف إلى ذلك أنهم وإن تحدثوا عن الليبرالية وإطلاق الحريات ، أوحقوق قوى الشعب العاملة ،إلا إنهم في حقيقتهم يتصرفون كأعضاء النادي الملكي للسيارات الذين لا يمنحون عضوية ناديهم الموقر لراكبي الدرجات الهوائية ، لأجل ذلك ولغيره من الأسباب المتعلقة بآفات الشخصية السياسية التي تندفع بقوة الطموح الخاص ، فيتضاءل أمامها الشأن العام بل ومصلحة الوطن ذاتها ، صارت هذه النخبة نمطا فريدا من البشر لم تعرف له المجتمعات المتحضرة مثيلاً ، فتراهم وهم المثقفون - افتراضًا- يسارعون بسد منافذ النور التي تهيئها الأقدار للناس ، فيسارعون بالهجوم على كل من تسول له نفسه تسويق الأمل للنفوس اليائسة ، كذلك فإنَّ من آفات هذه النخبة أنْ تتمترس في المركز وتتماهى معه ، على اعتبار أنَّه محط أنظار الكل وخاصة الميديا الإعلامية ، وباعتبار أنَّهم كائنات استثنائية لا غنى عنها ، ولأنَّ المخلوقات الطافية لا تستطيع الغوص ، كذلك فإن هذه النخبة لا قبل لها بالنزول إلى الناس لا على مستوى الخطاب ولا على مستوى الفعل ، وهم يرون أنَّ ذلك فوق طاقتهم ناهيك عن عدم مناسبته لطبيعتهم الانعزالية وإحساسهم المرهف ، كما أن الفساد والاستبداد يعدان بيئة صالحة جدا لهذه الكائنات الصوتية ، لذلك كان من المفترض أن تكون النخبة هي قائدة الشعب وآلته الماضية في التغيير ، فإذا بها عقبته الكأداء وسر شقائه الذي لا ينتهي . ولاشك أيضا أن الأزمة العامة التي تعيشها النخبة العاجية قد أفرزت أزمات أخرى متنوعة الأشكال والألوان ، فسارت أشكال التَّصَاوت على اختلافها وتباينها تؤدي نفس الدور الذي يصب – بلا شك – في مصلحة النظام ، وكان من آثار ذلك أن تعادت هذه المجموعات وتناحرت ، حتى أن أحدهم ليفخر – دون حياء- أنَّه وجماعته ما توجدوا في تجمع كذا إلا لإفساده والقضاء عليه ، ثم بعد ذلك يعجب هؤلاء وأولئك عندما تتعلق أبصار المصريين وقلوبهم بشخص بحجم وقامة الدكتور محمد مصطفى البرادعي كرمز للتغيير وبارقة أمل تتقد جذوتها في هذا الليل الحالك ، فيستكثرون عليه ذلك ، ويستكثرونه على الشعب المنكوب ، فتراهم وقد تخندقوا في نفس الخندق الذي يرسل منه كهنة النظام وكتبته قذائفهم البائسة ، وكأنَّ الجماعة المُنَخَّبَةَ قد فقدت صوابها تماما ، فرأيناهم يخرجون فيما تيسر لهم من أبواق ، وقد حملوا على الرجل الاتهام تلو الاتهام ، وكلها مما يثير الضحك والشفقة في آن ، فمن قائل أن مسلك الرجل يهيل التراب على التجربة الحزبية المصرية وزخمها المتقد طوال الثلاثين سنة الأخيرة ، رغم أن هذه التجربة وبشهادة كبار المتحزبين أنفسهم لا تحمل أدنى قدر من الاحترام الذي يسمح لها بالفخر أو المن على أحد أيما كان ، ومن ناعق بابتعاد الرجل عن واقع مصر والمصريين منذ زمن بعيد ، وكأن هذا الواقع التعس وما آل إليه الحال لا يعد سبة في جبين الجميع حكاما ومحكومين ، وهذا الابتعاد هو الميزة الفارقة - من وجهة نظري – فالرجل لم يتلوث بفساد ولا استبداد ولم يتورط في صفقات مع النظام ، فهل ذلك يعد من حسنات الرجل أم من سيئاته ، وفي الحقيقية أنهم لجهالتهم ولضحالة أفكارهم ولغبائهم المتناهي أيضا ، أخذوا يختلقون من الأكاذيب ما يمكن الرد عليه بأدنى الجهد ،كالترهات التي سيقت عن مستوى الرجل العلمي أيام دراسته ، وعن دوره في الحرب الأمريكية على العراق ، وعن أنه يحمل جنسية أخرى غير الجنسية المصرية – رغم أن نجلي الرئيس يحملان الجنسية البريطانية وبعض الوزراء يحملون جنسيات كندا وألمانيا والولايات المتحدة – والحقيقة أن ما أحدثه ظهور الدكتور البرادعي على الساحة السياسية المصرية من حراك لا يمكن أن يصب إلا في مصلحة المصريين ، فإما أن يدفع الرجل عجلة التغيير الذي طال انتظاره ، وإما أن يضغط من أجل تحسين شروط اللعبة السياسية ، وإما أن يتم مقضاة المحتكمين إلى القوانين التي تخالف كافة الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية أمام المحاكم الدولية ، وهو في كل ذلك محصن من تعرض النظام له بتلفيق الاتهامات ، وليس فيما سبق ما يصب في مصلحة النخبة التي ارتبطت ببقاء نظام مبارك ، رغم ما تبديه من معارضة ظاهرية في بعض الأحيان ، فأحيانا تستوجب الاستمالة إبداء بعض التمنع كما تعلمون- صفقات المقاعد الشاغرة في المجلس القادم أسالت لعاب الكثيرين - لهذا أرى أن مساندة الدكتور محمد مصطفى البرادعي ودعمه في مطالبه العادلة ،هو ظرف اللحظة الراهنة الملح ، فبكل المقاييس سنشهد عما قريب نهاية عصر تعيس ، وبداية عصر آخر له معطيات أخرى ، أما آن لهم أن يترجلوا من الأبراج .

هناك تعليق واحد:

فارس عبدالفتاح يقول...

عفواً

اي نخب تتكلم عنها

ونخب مين والناس نيمين

وهل انت تراهن على وعي الجماهير .. اذا فترضنا انه هناك خبة حقيقية في مصر باستثناء بعض الشخصيات وهناك جماهير بمعنى الكلمة


وهل ترى ان هناك مثقفين حقيقيين في مصر ولهم دور تحريضي حقيقي ام هم قطعة من قطع الشطرنج