السبت، 13 فبراير 2010

المعول والدبوس

يومًا بعد يوم تزداد قلعة الفساد والإفساد والنهب والاستبداد قوةً ومنعةً ، ولهذا أسبابه المتعددة ،ومن أهمها أن حماة هذه القلعة وسكانها والمحتمين بها لا يؤلون جهدًا في سبيل الاستفادة من جميع الظروف الداعمة لوجودهم المبقية على نفوذهم وسلطانهم ، ومن أهم هذه الظروف تشرذم القوى المناوئة وتناحرها وتفرغها لانتقاد بعضها البعض برغم أن هذه القوى تعلم علم اليقين أن تبديد الطاقات في هذا الشأن لا يفيد إلا قلعة الفساد والاستبداد والمتمترسين خلف حصونها ، قكيف يتسنى لنا أن نجعل هذا العلم اليقيني واقعا معاشا ؟ إن ما يحيق بالأمم المبتلاة بالأنظمة الاستبدادية يتراوح بين حال السيطرة المتبصرة لعواقب الاستبداد،وهو ما يستلزم شيئًا من المداراة والحفاظ على الحدود المعقولة للعيش الكريم ، وبين حال الاطمئنان التام لرضوخ الشعب وخنوعه واستسلامه،وهنا لا حدود للبطش والعسف،ولا حديث عن الحياة نفسها ناهيك عن بؤسها أوكرمها ، وبما أن الحالة المصرية هي الحالة الثانية بامتياز، فإنك ترى أن حالة الاطمئنان التام إلى الغيبوبة التي أصيب بها الشعب المصري قد حدت بأهل القلعة أن يبالغوا في التنكيل به ، فتفننوا في أساليب إفنائه إمراضا وإفقارا ونهبا وإهدارا للكرامة ، كما بالغوا في الانكفاء أمام أعداء الوطن الذين يستمدون منهم القوة وأسباب البقاء ، ليس فيما ذكرت جديد ، لكن الأمر يحتاج إلى شيءٍ من إنعام النظر ، حتى نعرف كيف يكون سبيل الوصول إلى قلعة الفاسدين ، فإذا كنت ممن يظنون أنفسهم أصحاب منهج ورؤية واستراتيجية وتطمح للتغلب على هذا التشكيل العصابي ، فأنت تمتلك معولا تستطيع به أن تحطم جزءًا من أسوار هذه القلعة المنيعة ، أو أن تسقط حجرًا أو حجرين ، غيرأنَّه من الواجب عليك أن ترى كل من يخالفوك الرأي ويرون أن منهجك ورؤيتك واستراتيجيتك محل نظر- على الأقل من حملة الدبابيس ، الذين يمكنهم أن يحدثوا خدوشا في الجدران العالية ، حتى وإن استصغرت جهد غيرك إلى درجة الاحتقار، فليس من العقل أن تهدر طاقتك في الانتقاد أو الوعظ ، بل عليك أن تواصل المسير فإما أن يتبعك الآخرون اقتداءً أوغيرةً ، وإما أن تقعد بهم السبل بدافع العجز أو المغنم ، واما المدَّعون الممالؤن الذين يبدون التبرم ويخفون التزلف رغبة في مكسب أو طلبًا لتحقيق مأرب، فليس من المنطق أن تلتفت إليهم ، فإنَّك إن فعلت أضفت إليهم وانتقصت قدر نفسك واستنزفت طاقتك ، كما أن إحسان الظن بالناس مقدم إلى أن يثبتَ العكس ، ولا يغرَّنك ما هو لك من الحظ عند الناس ، فتقعد في مقام المصنِّف فتضيع حظوتك ويحبط عملك. فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ ضِدَّنَا فَهُوَ مَعَنَا كما قال المسيح –عليه السلام – فمن يدعي بعد ذلك أن اكتساب الأعداء أمر لاينافي العقل ناهيك عن حسن المقصد فهو إما واهم أو مدع ، وإذا كانت الأحكام القضائية تسقط بالتقادم ، فإن الاحتفاظ بالعداوات التاريخية يصير هزلاً في موضع الجد ، فإذا كنت لا تستطيع أن تمد يدك بالود لمن تجمعك بهم أرضيةًً واسعة من الثوابت المشتركة ، فلا أقل من أن تحتفظ لهم بشيء من الود القديم فإن الكريم- كما قالوا–من حفظ وداد ساعةٍ .إن الإخلاص للهدف النبيل يحتم علينا أن نفسح الطريق لكل من يستطيع صعود تلك السلالم التي نلقيها على أسوار قلعة الفساد والإستبداد ؛ حتى وإن قعدت بنا الأسباب أن نصعدها نحن ، ولنكن كزارعي أشجار الزيتون التي لا تثمر إلا بعد عشرات السنين ،فعلى النية والجهد يؤجر الإنسان أما النتائج فإن الله يختار لحصادها من يشاء من عباده.إن أكثر ما شد انتباهي عندما تعاملت مع الإخوة الاتراك أنهم لا يذكرون أحدا بسؤء على الإطلاق حتى غلاة العلمانية من زعماء حزب الشعب لا يتحدثون عنهم إلا بكل تقدير واحترام ويرون أن الخلاف الأيدلوجي لا يجب أن يجور على المشترك الوطني ، حتى المتورطين في قضايا الفساد لا يتم التشهير بهم ،بل إن وسائل الإعلام التابعة للحركات والأحزاب المناهضة للعلمانية المتطرفة لاتسارع بنشر هذه القضايا وتسبقها إلى ذلك وسائل الإعلام العلمانية ، ولا يكون دافعها إلى ذلك إلا محاولة التبرأ من هؤلاء والتطهر أمام الرأي العام ، حتى أن كثيرًا من محاولات الاغتيال التي تدبر للإطاحة برموز حزب العدالة والتنمية لا يكشف عنها ،دعما لمسيرة التنمية والاستقرار في البلاد ، لدرجة أن السيد أردوجان نفسه لا يعلم كم محاولة اغتيال دبرت له ، أليس في هذا النموذج الرائع قدوة ومثل لنا أم أننا سنتعامل بنفس الانتقائية المقيتة مع هذه التجربة الرائدة التي أشعرت الناس بالأمان الاجتماعي ،وخلقت من خلال التجربة العملية جيلا من الفرسان النبلاء لا تحركهم المنفعة الشخصية ولا المأرب الخاص ، حتى أنك لتعجب عندما ترى شباب الأمة التركية وهم يضرعون إلى الله في خشوع أن يحفظ لهم هذه الكوكبة المباركة من المسئولين المخلصين ، كما يتملكك العجب كله عندما ترى هذه الشعبية المتصاعدة تجتاح عموم تركيا ،حتى معاقل حزب الشعب الكمالي في إزمير وما حولها ، هل نعي الدرس جيدا ؟ أم أن الغرور وأسبقية التجربة ستحول بيننا وبين تمثل هذا الأنموذج الفذ ، فيا أيها المتمارون (( أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ)) .

هناك تعليق واحد:

عطش الصبار يقول...

استاذ ماهر
تحيه منى لك على مدونتك التى لاقت هوى فى نفسى قبل ان ابدأ بقراءه البوست عندما وجدتها مزينه بصور لااشخاص عشقتهم وتربيت على مبادئهم
فرحت واعجبت بالبوست عندما لمست محاولتك نبذ النظره المتدنيه لمن يخالفك الرأى وطلبت ان نكون مثل المجتمع التركى ان نحب كل من يعملون لصالح الوطن حتى لوكانوا ممن يخالفنا الرأى
حتى أنك لتعجب عندما ترى شباب الأمة التركية وهم يضرعون إلى الله في خشوع أن يحفظ لهم هذه الكوكبة المباركة من المسئولين المخلصين ،
لكن هل تعتقد ان اجيال تربت على مدى سنوات وسنوات وخاصا بعد وفاه الزعيم جمال عبد الناصر اتربت على محو كل انجاز تم فى عصره بل تحويل الانجازات الى اخطاء وتم العبث بفكر الشعب المصرى بخطى ممنهجه حتى اصبح القابض على فكر المرحله ومنهجها كالقابض على الجمر
هذا حالنا يا استاذ ماهر منذ عصر رمسيس الذى محا اسماء سابقيه ووضع اسمه على معابدهم وانجزاتهم
هل تعتقد ان هذه الاجيال التى تربت تحت سطوه الاعلام وسطوه تغييب العقل بالمسلسلات والبرامج التى غيبت عن فكرنا معنى كلمه وطن وكلمه انتماء
اعلم انه هناك فارق بين المعول والدبوس وانه بالصبر قد يصل المخربش بالدبوس الى نتائج الحافر بالمعول
انا اعلم ان ماتنادى به هو الاصح وانه سيأتى يوما ويتحقق لانه مقومات وبدايات المبادىء وان ما ينفع الناس يبقى بالارض
شكرا لك مره اخرى وتقبل تحياتى