السبت، 27 سبتمبر 2008

رياح التغيير

إنَّ الأصلَ في الدولةِ هو التداولُ وهو في المعنى انتقالُ الشيءِ من يدٍ إلى أخرى ، والأممُ التي لا تعرفُ للسلطةِ تداولاً تشيخُ وتفنى ، وتصبحُ بمرور ِ الزمن دولاً موجودةً على سبيل ِ الاعتبار ِ لا الحقيقيةِ ،وما يحدثُ في مصرَ اليومَ هو صورةٌ من أبشع ِ صور ِ الوجودِ الاعتباري للدولةِ ، إذ ْ تقزمَ دورُ مصرَ على المستوى الإقليمي والدولي ، ورضيتْ بأدوار ٍ هي أقلُ بكثير ٍ من وزنها باعتبار ِ التاريخ ِ وحساباتِ الموقع ِ، مفسحة ً الطريقَ أمامَ دول ٍ لم تكن ذاتَ أدوار ٍ تذكرُ حتى وقتٍ قريبٍ ، وآفة ُ احتكار ِ السلطةِ تكمنُ في الجمودِ الذي لا ينتجُ سوى التخلفِ ، إذ ْ يعمدُ محتكرو السلطةِ إلى ارتكابِ كل ِ ما من شأنه إحكامُ السيطرةِ على كل مناحي الحياة ؛ للحيلولةِ دونَ ظهور ِ قوى مناوئةٍ حقيقيةٍ ،تستطيعُ أنْ تدفعَ عجلة َ التغيير ِ خطوة ً واحدة ً للأمام ، وهمْ في طريقهم لتحقيق ِ هذا الهدفِ يرتكبونَ كلَ جريمةٍ ،ويقترفونَ كلَ إثم ٍ ،دونَ مراعاةٍِ لأبسط قواعدِ اللعبةِ السياسيةِ ، والتي تصبحُ دونَ أدنى قيمةٍ في ظل انسدادِ آفاق ِ التغيير ِ ،وغيابِ قنواتِه الشرعيةِ ،مما يصيبُ قطاعاتٍ المجتمع ِ وخاصةَ النخب باليأس ِ جراءَ ممارساتِ السلطةِ ، والتي تتسمُ دائمًا وأبدًا بالغشم والبطش ، والتي تحول دائمًا دونَ ظهور أي بارقة أملْ ، وبمرور ِ الزمن ِ تصبح كافة ُ الفعاليات التي تقومُ بها قوى المعارضةِ ، طقوسًا يومية تمارسُ بشكل ٍ يخلو من الحيويةِ ،ويركنُ إلى التنفيس عن الكبتِ ، وبالتالي تفقدُ هذه الفعالياتُ أهمَ أهدافِها وتصبحُ عديمة َ الجدوى ، ولقدْ حفلتْ التجربة ُ الإنسانية ُ بكثير ٍ من النماذج التي يمكنُ أن تُسْتَلهَمَ في مثل هذه الظروف التي تمرُ بها مصرُ ، كمحاولةِ التوصل إلى توافق وطني بين جميع ألوان الطيف السياسي ، يثمرُ برنامجًا يتمُ طرحُه على الرأي العام ، ومن ثـَمَّ العمل إلى الوصول لما يشبه الإجماع عليه ،ولكن ذلك يستلزم كثيرا من الإخلاص ِ وإنكار ِ الذات ،واللذين لا يتوفرا بشكل ٍ كبيرٍ بين القوى الموجودةِ على الساحةِ والتي تقدمُ أجنداتها الخاصة َ في كثير ٍ من أحيان على مصلحة الوطن ، لَكِنَّ اللافتَ للنظر أنَّ الحركات الاحتجاجية التي ظهرتْ خلال العامين الأخيرين ، وتم التعاملُ معها من قبل النظام بسياسة تعتمد مبدأ المراوحة والنفس الطويل ، قد أثبتتْ أنَّ حركة التغيير آتية ٌ لا محالة ،وأنَّها سوف تتجاوز أشكالَ المعارضةِ التقليدية متمثلة ً في الأحزاب السياسية المسنة والجماعة الراديكالية ، وحتى حركات المعارضة التي ظهرت منذ سنوات وأسهمت بدور فاعل في رفع سقف الحريات ،إلا أنها اسْتُنْفِذَتْ بسرعةٍ ،إذ ْ لم يكنْ لديها مقوماتُ البقاءِ والاستمرار، مما دفعَ بعضَ قيادات هذه الحركاتِ إلى محاولة دعمِها عن طريق التواصل مع مجموعات الشباب ونُشَطاء الانترنت ، وفي الآونة الأخيرة ظهرت العديد من المؤشرات التي تدعم قرب أوان التغيير ،ومنها انكسار هيبة النظام بتعرض آلته الأمنية لاعتداءات مباشرة من قبل الأهالي في أكثر من واقعة ، كما أن هناك شواهد عديدة تقول بأنَّ النِّظامَ المصري أصبحَ شبه عاريًا أمامَ المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وغيرها ، والتي باتتْ تستعدي مؤسساتٍ ذاتَ ثقل على النظام المصري ،كالاتحاد الأوربي ، والذي أدان منذ فترةٍ ممارسات النظام المصري في مجال حقوق الإنسان ، بل وطالبه بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين ، مع الوضع في الاعتبار أنَّ هناك مؤشرات تؤكدُ أنَّ السياسة الأمريكية في المنطقة سوف تشهدُ تغيرًا ما في الفترة المقبلة ،مما يستلزم مرونة ما في التعامل مع الإدارة الأمريكية ، يفتقرُ النظامُ المصري إلى أدنى حدٍ منها بسبب وضعِه الراهن ،وممارساتِه الإجرامية ، وانعدام الكفاءة لدى معظم مسئوليه من المستبدين وناهبي المال العام ، والشاهدُ من كل ما تقدم أن نظام مبارك مات إكلينيكيا ، وبقي فقط أن يتم فصله عن أجهزة الحياة المتوهمة ، فمن يفعلها ؟

هناك 6 تعليقات:

canary يقول...

تعتقد من سيفعلها؟
الجيش ؟ لا فقد انتهت مقومات الانقلاب العسكرى مع نهايه الستينات بالنكسه ثم أننا رأينا حكم العسكر وما أل اليه حالنا وعجزهم عن أدارة البلاد

الشعب؟
ايضا لا فنحن فقدنا القدرةعلى التحرك حتى للأعتراض على غلاء فاحش وفقر مدقع وأمتهان شبه مستديم

الخارج؟ لا.. فما من مصلحه له الان فى فصل جهاز الاعاشه الصناعيه خاصه أنهم اصحاب المصلحه فى بقائه


شخصيا لا اعتقد بوجود من يمتلك المقدرة لن اقول القدرة بل المقدرة
على اعلان هذا الموت الاكلينيكى وفصل الجهاز وما أراة هو استمرار الميت الحى فى البقاء بسدة الحكم على الرغم من تعفنه وأزكام رائحته النتنه الانوف
وأستمرارة حتى نتغير نحن وما هذا بيسير

ماهرالشيال يقول...

النبيلة كناري أولا كل عام وأنت بخير ،ثانيا أشكرك على إجابتك الموجزة على السؤال من يفعلها ؟ والحقيقة أن هناك أطرافا عدة لم يتم ذكرها يمكن أن تشارك بقوة في الفعل التغييري ، فهناك صراع حقيقي بين أجنحة السلطة الخمسة(الحرس القديم /الحرس الجديد/ المؤسسة العسكرية/ جناح رئيس الوزراء/ المؤسسة التشريعية)وهذا في ظل غياب حقيقي لمؤسسة الرئاسة ،وسيطرة شبه كاملة لجمال مبارك على مقدرات البلاد منذ سنوات ، هذه الأجنحة التي أتحدث عنها ثبت أنها تتعامل في أحيان كثيرة كجزر منعزلة ، والعقلاء منهم وهم ندرة ،يسارعون لفض الاشتباك الحادث نتيجة لتضارب المصالح القائمة على النهب المنظم لثروات البلاد والذي غالبا ما يتحول إلى العشوائية نتيجة انعدام الكفاءة لدى لصوص المال العام من الوزراء والمسئولين ، وعلى فكرة قبل ما أرد عليك شاهدت وسمعت خبر حريق المسرح القومي ،وده استمرار لمسلسل الكوارث الذي يحدث بسبب إهمال النظام وإجرامه ، وأنا معك تماما في انعدام الأمل في تحرك شعبي ،كما أن الرهان على النخبة خاسر أيضا ، كما أن الخارج ،ورغم أنه من المتوقع أن يحدث تغييرا طفيفا مع تولى الإدارة الأمريكية الجديدة ،لايعول عليه ، والسيناريوهات المتوقعة هي الأسوأ الفوضى ،ثورة الجياع ،انفجار لايستطيع أحد السيطرة عليه ،شكل من أشكال الإزاحة السلمية يتم داخل السلطة بحسابات الانتقال الآمن ،وإغلاق الملفات ،هذا كله وارد ....من جديد أشكرك أيتها النبيلة ....ماهر

canary يقول...

دعك من الاجنحه الخمسه
فالحرس القيدم لم يعد له وجود
(الشاذلى _الشريف _ والى _ عزمى_الباز)
تقلص النفوذ بشدة والسن له احكام

الجديد
_____
بعيد عنك وعن السامعين نصهم سجن المزرعه والنص التانى خرج من قاعه كبار الزوار هاربا

المؤسسه العسكريه
_________________
وضعها كما أسلفنا وفى كل الاحوال كارثه

جناح رئيس الوزراء
____________________
دة زى جناح الولايا جناح مكسور ولا خبرة سياسيه له ويمكن القطه بتاعتى تفهم فى السياسه عنهم واخر معلوماتهم أقتصاديه بحته عن كيف تكسب شركاتهم اكثر من خلال الاستفادة بوضعهم الجديد كوزراء

المؤسسه التشريعيه
_______________
فدى انت بقى اللى دمك خفيف مش احمدى نجاد أى مؤسسه تشريعيه سيدى الفاضل تلك التى يحكمها نص فلاحين وعمال اخر عهدهم بالقراءه فصول محو الاميه
والنصف الاخر اللى المفروض متعلم
مش متعلم حاجه غير انه يسقف وموافقون موافقون والله الموفق

المسرح القومى - مجلس الشعب - مجلس الشورى والا حتى كوبرى اكتوبر هو فاضل ايه فى البلد ملكنا . يتفضلو يولعو فى الباقى ويخلصونا
وثورة الجياع دى لا تنتظرها صدقنى
ولا حتى الفوضى ولا السيناريوهات الخارجيه لا شئ على الاطلاق
الشئ الوحيد الذى أتوقعه هو انهيار داخلى جراء كل ما سبق وتفضلت بذكرة
فالجسد يتأكل داخليا ولتتوقع الانهيار بدأ من انهيار المركزيه وهو ما بدأ حدوثه الان

عُمر يقول...

أهلا ماهر

البوست ده عجبني جداً .. فعلاً أنا متفق مع كلامك ..

بس عاوزك توضحلي مفهوم "الراديكالية" ..
لأني موش فاهم إيه أبعاده ..

وبرضه عاوز أعرف محددات القومية والوطنية ..

معلش تاعبك بأسئلتي بس بجد أنا عاوز أستفاد منك ..

تحياتي ..

ماهرالشيال يقول...

الأخت الكريمة كناري هناك نقاط كثيرة اسمحي لي أن أرد عليها :-
أولا عندما أتحدث عن صراع على السلطة فليس معنى ذلك أني أتحدث عن قوى متكافئة،بل أقول بأنها موجودة ولديها أطماع ،وبالتالي تحاول أن تحصل على نصيب من الكعكة ، وأذكرك أن نظيف عرض نفسه على الإدارة الأمريكية كأحد البدائل المطروحة والتي يمكن أن تحافظ على المصالح الأمريكية في مصر والمنطقة في حال غياب مبارك عن مسرح الأحداث لأي ما سبب ، وكما تعلمين فإن نظيف يحظى بتأييد واسع من جانب الإدارة الكندية التي يحمل جنسيتها ، وهي في حسابات العلاقات الخارجية الأمريكية تمثل ثقلا لا يستهان به ، ولذلك فأنا أعتقد أن من أهم أسباب بقاء نظيف كأحد أعمدة النظام في مصر هو هذا الدعم الأمريكي . ثانيا أنا معك في ما أوردتيه عن انحسار دور الحرس القديم ،لكن وجودهم الفعلي لازال قائما ،ومما لا ينكر أنهم أدرى بقواعد اللعبة السياسية ،بحكم الخبرة وحسابات التاريخ أما الحرس الجديد فهو يمثل رجال النجل وهم أشد خطرا لما لهم من خبرة في تصفية الخصوم وهشام طلعت من المحتمل أن يكون آخر ضحاياهم والموضوع متعلق بالبيزنس في المقام الأول ، أما المؤسسة العسكرية فأنا أعلم تمام العلم أن هناك تيارا يعارض انتقال السلطة للمدنيين بعد حكم عسكري دام أكثر من ستة وخمسين عاما ، أما المؤسسة التشريعية فمهما قلتي عنها فلها وزنها في حسابات المصالح وارجعي إلى ما حدث في قانون الممارسة الاحتكارية ، وأستطيع أن أقول أنها تعمل بشكل شديد البرجماتية ولن تتنازل عن دور لها إذا حدث في الأمور تغيير ، وأخيرا أشكر لك مساهمتك الرائعة .......تحياتي

ماهرالشيال يقول...

أولا أزيك يا عمر ،ثانيا تعبك راحة وياريت أقدر أوضحلك اللي انت طلبته شوف يا شقيق الراديكالية مصطلح في اللغة معناه الجذرية وفي الاصطلاح هوتبني مواقف شديدة التطرف ترفض الآخر من منطلقات إماعقائدية زي الإخوان والجماعات الإسلامية، ، وإما قومية (شعوبية ) زي النازية والفاشية ، وكثيرا ما توصف الأحزاب اليمينية بالراديكالية ،وذلك لتبنيها للمواقف شديدة القطعية فيما يتعلق بما تعتقد أنه من الثوابت ، وهي بذلك تفتقر إلي المرونة التي يتطلبها العمل السياسي ،وطبعا المصطلح يمكن أن يحمل بعض التجني ،وده لأن اللي صاغوه ونعتوا به الآخرين هم منظروا اليسار ومفكروهي أي الراديكالية ذات ارتباط وثيق بمفهومين من الخطورة بمكان هما الدجمائيةوهي احتكار الحقيقة المطلقة ،يعني أنا الصواب المحض وكل ماعداي خطأ،والمفهوم الثاني هو البرجماتية اللي ممكن تبقى النفعية الآنية قصيرة النظر ،أما القومية فهي نظرة متجاوزة للإقليمية طامحة إلى الوحدة بمنطلقات وعوامل القوة ،وحسابات الصراع ،والقومية العربية في تجلياتها المتعددة كالناصرية والبعث بشقيه خير مثال ،أما الوطنية فهي الشعور بالانتماء الدافع للفعل الإيجابي الذي يقدم مصلحة الوطن (القطر)على ماعداه من مصالح قومية أوإقليمية يعني عكس القومية ، زي ما أعداء عبد الناصر مثلا من مدعي الوطنية يقوللك وهو احنا يعني كان مالنا باليمن أو الجزائر أو حتى فلسطين ، مصر وبس ياعم ،معلش يا عمر أنا طولت عليك وصدعتك ،بس إنت اللي طلبت ،يعني تستاهل ......تقبل تحياتي
ماهر