الأحد، 9 أغسطس 2009

المتلاعبون بالقامات

أكدت دراسةٌ موثَّقةٌ قام بها باحثون في معهد بحوث الأغذية التابع لمركز البحوث الزراعية أنَّ 38% من المصريين يعانون من التقزُّم الغذائي ، وهو قصر القامة المرتبط بسوء التغذية ، معنى ذلك أنَّ المصريين في طريقهم ليكونوا شعبًا من الأقزام ، وتبعًا لنظرية المؤامرة التي نحب جميعًا أن نرجع إليها كافَّة الأحداث والظواهر والمصائب السوداء التي تحيق بحياتنا في هذا العهد السعيد ، فإنَّنا أمام مخططٍ خارجي - أو داخلي أصبح كلاهما سواء – يهدف إلى تقزيم الشعب المصري ،بعد أن تقزَّم دوره فعليًا في كافَّة مناحي الحياة تمهيدًا لإدخاله مُتْحَف التاريخ البيولوجي ؛ لتخلو مصر بعد ذلك للعمالقة من أمثال الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء – أطال الله قامته - والحقيقة أنَّ النَّظام المصري إذْ يسعى إلى ذلك سعيًا حثيثًا ، يكون قد دخل في مرحلةٍ حاسمةٍ ألا وهي إعادة الاتساق إلى شكل الحياة في مصر ،لتصبح القامة القصيرة للشعب هي السمة الغالبة ،بينما تصبح القامة المديدة من نصيب حكامه والمتحكمين فيه ، وبالطبع فإن هذا يكرس للمفهوم الذي روَّج له النِّظام كثيرًا على اعتبار أنَّ السعي للوصول إلى سدة الحكم هو تهمة يتهم الناس بها ويحاكمون بشأنها أمام المحاكم العسكرية ، إذ أنَّ هذا السعي هو في حقيقته حكرٌ على أصحاب القامات المديدة ، ولعلَّ من مميزات هذا الفرز الجيني ألا يَحَار رجال الأمن في معرفة هُوية الشخص محل الاشتباه ، وهل هو من عامَّة الشعب أم من السَّادة ؟ وما سيصاحب ذلك من إجراءات بسيطة تتلخص في فحص حذاء المشتبه به من حيث كونه كعب عالي أم لا ، ومن الطريف في الأمر أن تسوق الدراسة الجادة أسباب هذا التَّقَزُّم إلى اختفاء الرِّضاعة الطَّبيعية والوجبات المنزلية لطفل ما دون السادسة ، والاتجاه العام لدى أطفال المصريين لتناول الشيبسي والوجبات السريعة خارج المنزل ،مما يعكس إدانةً جديدةً لنمط الاستهلاك الغربي الذي أصبح سائدًا في المجتمع المصري ، وليس في وسعنا – طبقًا لنظرية المؤامرة أيضًا – أن نُخْلِي مسئولية النظام المصري من الترويج لثقافة الاستهلاك عبر وسائل إعلامه الرائدة في الترويج لكل ما هو غثٌ وبعيدٌ عن قيمنا وثوابتنا الثقافية والوطنية ، وليس من نافلة القول أن نؤكد على أنَّ هذا الاتجاه لدى النظام المصري ،ربما يكون من بواعثه الحدُّ من الزيادة السكانية ،إذ تؤكد الأبحاث الطبية أن قصار القامة أكثر عرضةٍ للإصابة بالأمراض ،ناهيك عن قصر أعمارهم بالمقارنة بأصحاب القامات المديدة ، وربما يكون من مميزات هذا الفرز الجديد أن يقضي على جميع أشكال التمييز التي تضرب بنية المجتمع المصري في مقتل ، وسيكون من ثماره اختفاء الطائفية والاستقطاب السياسي والأيدلوجي ، وفي ظل هذا كله يصبح الحديث عن التغيير أو الإصلاح السياسي أو تداول السلطة من قبيل العبث ، إذ ستنحصر الاختيارات في ثلة من المسئولين مديدي القامة ،حسني التغذية ، والذين سوف يولون البلاد والعباد الرعاية والعناية ،بوصفهم طيورَا محلقةً ترى الوطن من علٍ وتسبر أغوار خباياه بيسر وسهولة ، كما أن مواجهة الاحتجاجات الفئوية و الشعبية لن يكون من الصعوبة بمكان ، كما أن التأثير على الوعي الجمعي للشعب سيصير فاعلا ًبدرجةٍ كبيرةٍ ،إذ ستتلقاه الجموع تلقي الوحي المنزل ، إلى هذه الدرجة هم ناقمون على هذا الشعب ، إلى هذه الدرجة تؤلمهم نكاته ، ويغضبهم صبره وصموده ، ماذا سيصير الحال إذا بالغ الشعب القزم في غفلته ؟ هل سيرجعون عنه ؟ هل سيكفون عنه أيدي تدبيرهم و تآمرهم ؟ لا يمكن أن يحدث ذلك فلقد تبدت وجهة نظرهم واستبانت رؤيتهم ،إنَّ معركتهم غير المتكافئة مع شعب مصر هي صراع وجود ، يرون أنَّ بقائه يشكل عبئًا لا يمكن تحمُّله ، وأنَّ زيادة عدده كارثة لا توصف حسب تصريحات السيد جلفر الذي هو بحسابات التاريخ يعيش في بلاد العمالقة وبحسابات الواقع المأمول يعيش في بلاد الأقزام ، ولكن ورغم كل هذه التدابير ، إلا أنَّ أولي الأمر قد خفي عليهم أمورٌ كثيرةٌ ، ربما تحبط كيدهم ، منها أن الإنسان يزداد مكرا كلما اقترب من الأرض ، وأنه يصبح أكثر شراسة وعدوانية كلما كان خصمه أطول قامة وأكثر عدة وعتادا ، كما أن سبل الكر والفر تكون أيسر لذوي الأحجام الضئيلة ، كل هذه الظروف المناوئة تفجر لدى الإنسان طاقاته الكامنة ،وتزيد وعيه بالعالم من حوله ، فيصبح أكثر إيمانا بالحياة وأشد حرصا عليها ، وربما تكون بارقة الأمل الذي انتظرناه طويلا ،دعوة تخرج من مكان قصي يلتف حولها شعبنا العظيم : يا أقزام مصر : اتحدوا .

ليست هناك تعليقات: