السبت، 2 مايو 2009

ماذا بعد ؟


في كثير ٍ من الأحيان يتصورُ البعضُ أنَّه ليسَ هناكَ ثِمَّة أملٌ في تحسن ِ الأوضاع ِالسياسيةِ والاقتصاديةِ في مصرَ ، في ظل ِ نهم ٍ غير طبيعي للنهبِ المنظم ِ والعشوائي الذي تمارسُهُ الطغمة ُ الحاكمة ُ في مصرَ ، ولعلَّ استقراءَ التاريخ ِ في هذا الظرفِ الراهن ِ يعدُّ ترفاً لدى الكثيرين ، إذْ أصبحَ الحديثُ عن سقوطِ هذه الطغمةِ أقربَ إلى الأماني منه إلى الآمال القابلةِ للتحقق ، هنا تصبحُ جميعُ الممارسات المناوئةِ لسياسات هذه الطغمةِ كالاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات أقربَ إلى الطقوس ِ اليوميةِ العبثيةِ منها إلى الفعل ِالإيجابي الحقيقي ، يحدثُ ذلكَ في ظل استغراق ٍ تام ٍ من قبل أصحابِ الأقلام ِ الوطنيةِ في توصيف ِ الواقع ِالراهنِ ومدى ترديه ،دونَ اقتراح أيةِ حلول ٍ للخروج من هذا النفق ِ المظلم ِ ، مما يدعمُ رأي البعض في أنَّ كتابات هؤلاءِ أصبحت عملاً ارتزاقياً ليسَ إلا ، بينما يغيبُ الشعبُُ المصريُ عن دوره الفاعل منشغلاً بمعالجة أسبابِ الحياة التي جعلتها سياسات المتحكمين شبهَ مستحيلةٍ ، وللعجب أنَّ هذا الشعبَ الذي يفلحُ دائمًا وأبدًا في ابتكار أسبابِ لغيابهِ ونكوصهِ وسلبيتهِ ، يكونُ على استعدادٍ تام للحضور للمشاركةِ في جدل ٍ عقيم حولَ توافه الأحداثِ و سفاسفِ الأمور ، مما حدا بالبعض أنْ يلجأ للتحليل النفسي للشخصيةِ المصريةِ التي تستجيبُ عندما تكونُ الاستجابة غير مجديةٍ بينما تغيب عندما يكونُ الغيابُ جريمة ً ، ومن العجيبِ أيضا أنْ تسمعَ بين بعض أوساطِ المنشغلينَ بالشأن العام لآراءٍ تقول بقدرية التغيير ؛ مستشهدة بالأحداث العالميةِ الأخيرةِ كالأزمةِ الاقتصاديةِ أو صعودِ أوباما أو ظهور الأوبئةِ التي تهددُ وجودَ البشرية ،معولة ًعلى أنَّ التغيير يمكن أن يأتي بشكل قدري لا دخلَ للشعب الخانع فيه ، وكأنَّ ما حدثَ لم يكن نتيجة ً حتمية ً لممارسات بشريةٍ قصديةٍ ، حركتها دوافعُ ترومُ غاياتٍ وأهدافاً ، وليست عنْ طريق الصدفةِ المبرَّأةِ ، لا أشك أبدًا في أنَّ كثيرًا مما نعانيه من أزماتٍ كان بسبب الفرديةِ والأناماليةِ والانكفاءِ على الذات التي كرستْ لها كثيرٌ من الأفكارِ والنظريات والفلسفات التي ارتبطتْ ارتباطاً وثيقاً بالرأسمالية المتوحشة والنظرةِ الماديةِ المنغلقةِ لكثير من الأمور ، وربما تخلقُ هذه الأزمات الكونية إحساساً جديدًا لدى البشر ِ ينحو منحى مختلفاً في اتجاه العمل الجماعي ، ويؤصل للمفاهيمِ الراسخةِ المتعلقةِ بأهميةِ الانضواءِ تحتَ لواءٍ يعلنُ أهدافاً واضحةً ويسعى نحوَ الإصلاح بكل قوته ، إنَّ آفة الفرديةِ تكمنُ في تأجيل التعامل مع المشكلات حتى آخر لحظةٍ ، بزعم أنَّها لم تحتكْ بعدُ بشكل مباشر مع المصلحة الشخصية ، وحينما تحينُ هذه اللحظة يكونُ الإنسانُ قدْ فقدَ قدرتَه على المواجهةِ ، ومن ثَمَّ فإنَّه لا يصبح قادرًا إلا على اختلاق مزيد من الأعذار التي تتيحُ له مزيدًا من السلبيةِ والتخاذل والقدرة غير المحدودة على تقديم التنازلات الواحد تلو الآخر ، إلى أنْ يصيرَ البقاءُ على قيد الحياة هو غايةُ المرادِ من رب العباد ، ولا شك أنَّ السلامَ الزائفَ مع النفس والذي تروجُ له الكثيرُ من الأبواق التي تعتمد الغيبيات منهجاً وحيداً للتعامل مع أحداث الواقع بقصد الإحالة والإرجاءِ لكل ما ينجمُ من ظواهر ومشكلات ، يمثل معادلاً غير موضوعي – في حقيقته – لكل ما يعانيه الإنسانُ المصري من ذل وهوان في كافة مناحي حياته . علينا إذن أن نترجم كثيرا من الأقوال إلى أفعال ، علينا أن نؤمن بالإنسان وبقدراته وطاقاته ، علينا أنْ نستلهمَ دروساً تفتح لنا آفاقاً أخرى تعتمدُ النضالَ ضد أعداء الحياة منهجاً راسخاً يقومُ على أساس ٍواضح ٍغير ملتبسٍ للعمل على إزاحةِ هذه الطغمة الباغية من على كواهلنا ، علينا أنْ ندعو للقطيعة التامة مع من ناصبوا المصريينَ العداءَ ، ونزلوا بقدر مصر إلى مستوى المفعول به لا الفاعل ، علينا أيضا أنْ نُلْقِمَ أفواه الكاذبينَ والمنافقينَ وحملةِ الأبواق والمباخر ، أحجاراً بحجم الهرم الأكبر ، علينا أن نقول للداعين إلى إرجاء الحساب إلى يوم الدين كفاكم كذبا على الله ، وأخيرا علينا أنْ نكونَ مستعدينَ لتقديم التضحيات ،لأن إزاحة الظالمين والمستبدين والطغاة لم تحدث في أي مكانٍ في العالم وعبرَ التاريخ الإنساني كلِه دونَ تقديم تضحياتٍ هائلةٍ ، إنَّ السعيَ الحثيثَ نحو الهدفِ أفضل من المراوحة ، وإلا فإن القادم أسوأ بكثير مما يظنُ أحدٌ .

ليست هناك تعليقات: