الأربعاء، 10 ديسمبر 2008

وقائع مصرية


الوصول إلى الغايات لا يكون إلا بتقديم التضحيات، والواقع المأزوم الذي تعيشه مصر بسبب سياسات نظام مبارك يكاد يصل بالبلاد إلى حافة الهاوية ، يحدث هذا في ظل إحجام كامل من الجميع عن تقديم أي تضحيات من أجل إزاحة نظام مبارك ، والحيلولة دون إتمام عملية التوريث ، ويعتبر عام 2009 هو العام الحاسم بالنسبة لقوى الضغط وقدرتها على إنهاء مأساة الشعب المصري بإزاحة نظام مبارك ، والحقيقة أن نظام مبارك يستمد عافيته المتوهمة بالترويج لعدد من المفاهيم غير الحقيقية التي تبالغ في قوته ، وتكرس لما يمكن تسميته بسطوة الدولة وسيطرة الأجهزة الأمنية على الأمور بشكل كامل وهذه النقطة بالذات غير صحيحة على الإطلاق إذا وضعنا في الاعتبار الترهل الذي طال جميع قطاعات الدولة بشكل عام ولا يمكن تصور أن الأجهزة الأمنية بما تعانيه من مشكلات تكدس جميع ملفات الدولة لديها بمنأى عن هذا الترهل ناهيك عما أصابها بفعل الفساد ، وانخفاض معدلات مستوى الكفاءة المهنية ، وبقراءة سريعة للأحداث الأخيرة سيتضح أن هناك حالة من الانفلات الأمني غير المسبوق تمثلت في حدوث جرائم قتل تمت على أيدي ضباط شرطة ضد مواطنين في وضح النهار ،فما دلالة هذه الأحداث المتتابعة ؟ إن خروج كثير من هؤلاء عن السيطرة ،وارتكابهم للجرائم بهذه الطريقة يعنى أن هناك ضغطا شديدا يعانون منه ،مع الإحساس بتضخم الذات الذي يشكل مرضا خطيرا يعاني منه عدد كبير ممن يمتهنون هذه المهنة ،كما أن الشعور بالعزلة وعدم الانتماء للمجتمع ،يسهم بشكل كبير في عدم الإحساس بالأمان أثناء التعامل مع المواطنين ،ربما لا يبرر ذلك ردود الأفعال المبالغ فيها من قبل هؤلاء ،أو ما يمكن تسميته الاستخدام المفرط للقوة – حسب تعبير وسائل الإعلام الحكومية عن الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين- ولا يمكن أن يكون ذلك مبررا أيضا لما يمارس من تعذيب داخل أقسام الشرطة ،رغم تقديم البعض منهم للمحاكمة وصدور أحكام بالعزل من الوظيفة ، بل والسجن ، وما يمكن أن نتصوره أن العديد من هؤلاء أصبحوا على حافة الانهيار العصبي ، وليس معنى ذلك أن تأخذنا بهم شفقة أو رحمة ،فهم على أي حال مجرمون لابد أن ينالوا عقابهم عاجلا أو آجلا ، فإجرام هؤلاء فاق كل تصور ، ولا أشك أنهم سيدقون المسمار الأخير في نعش نظام مبارك بما يقترفون من آثام في حق هذا الشعب ،وليس بجديد أن نذكر أن أحداث المحلة اندلعت بسبب صفعة وجهها ضابط شرطة لأحد المواطنين ، فماذا يعني ذلك ؟ببساطة الجهاز الأمني الذي يظن سدنة النظام أنه حامي الحمى ، هو بالتأكيد من أوهن حلقات السلسة الجهنمية التي يقيدون بها الشعب المصري ،كما أن وجود ما يربو على المليون ونصف المليون من جنود الأمن المركزي ،وما يعانونه من ظلم وظروف معيشية صعبة ،تؤكد أن كثيرا من الولاءات يمكن أن تنقلب في أي لحظة بفعل الفوضى ، مع الوضع في الاعتبار أن هذا العداء السافر من قبل أجهزة الأمن يقابل بالعنف المضاد من المواطنين كما حدث في سيناء و المنيا وغيرهما ، كما أن وسائل الإعلام التي تجد في هذه الأحداث مادة شديدة الجاذبية ،أصبحت تشكل ضغطا آخر على رجال هذه الأجهزة ،وخصوصا أن كثيرا منهم ما زال يعيش بعقلية الأزمنة السحيقة ، فمتى يفيق هؤلاء ؟ لا شك أنهم سوف يفيقون – كالعادة- بعد وقوع الكارثة .

ليست هناك تعليقات: