الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

أزمة التعليم في مصر

تشهد العملية التعليمية في مصر ترديا هائلا طال جميع عناصرها ، بدءا بالمناهج التعليمية ومرورا بالطالب ،وليس انتهاء بالمعلم ، والمؤكد أن أزمة التعليم في مصر سوف تشتد ، طالما بقيت سياسات التعليم محكومة بالعشوائية والتخبط والتجريب الذي ما يلبث أن يثبت فشلا بعد فشل ، والحقيقة أن إصلاح التعليم في مصر أصبح في غاية الصعوبة ؛ والسبب في ذلك أن هناك إفسادا متعمدا طال العملية التعليمية في مصر ،واستمر لأكثر من ثلاثة عقود ،واتخذ أشكالا متعددة ،وتسمى بمسميات خادعة ،كالتطوير والتحديث ،واعتمد بشكل كبير على استيراد التجارب التعليمية الأجنبية دون النظر إلى مدى توافقها وملاءمتها للمجتمع المصري وخصوصيته الحضارية والثقافية ،كما لم يراع القائمون على وضع سياسات التعليم في مصر كثيرا من الأولويات المتعلقة بالمؤسسات التعليمية القائمة من حيث كونها تفتقر - في غالبيتها - إلى إمكانات التطبيق الجاد لخطط التطوير والتحديث المزعومة ،مما أحدث ارتباكا هائلا بين العاملين في الحقل التعليمي ،وهم ممن يتعاملون بشكل مباشر مع المستهدفين بهذه العمليات من الطلاب ، ولا شك أن هذا الارتباك الحادث كان نتيجة طبيعية لتلك الفجوة الهائلة التي نتجت عن الإعراض التام من قبل العاملين على وضع هذه السياسات عن التشاور مع العاملين بالحقل التعليمي حول النهوض بالعملية التعليمية ،ومن ثم لم يقف هؤلاء على المشكلات الحقيقية التي تعترض طريق التقدم المأمول ،ولا شك أن من نتيجة هذا الاستعلاء من قبل واضعي سياسات التعليم في مصر أن كان العاملون في حقل التعليم من المعلمين والمربين عقبة أخرى في طريق التطوير والتحديث ،بدلا من أن يكونوا أول الداعمين له ، ولهذا أسباب كثيرة من أهمها عدم الاقتناع بجدوى عمليات التطوير والتي كانت في معظمها منبتة الصلة عن واقع المعلم والمتعلم ، وكذلك فإن انعدام الثقة في النظام السياسي انعكس بشكل كبير على مدى تفاعل قطاعات واسعة من المعلمين ،والذين رأوا أن التطوير في حقيقته ما هو إلا تخريب منظم للعملية التعليمية ،ناهيك عن سوء أحوال المعلم والتي لا تكفل له سبل العيش الكريم ، مما جعله زاهدا في تحصيل مختلف الخبرات والمعارف الجديدة ،والتي يرى كثير من المعلمين أنها لن تضيف إليهم شيئا ، وكان من أسباب العشوائية التي اتخذت منهجا لدى القائمين على وضع سياسات التعليم في مصر ، أن فرغت المناهج الدراسية من مضامينها بحجة محاولة البعد عن الحشو الذي يؤدي إلى عزوف الطلاب عن الدراسة ،فتم تبسيط كثير من العلوم حتى وصل هذا التبسيط حد الإخلال ، واستحدثت بعض المواد الدراسية كمادة القيم والأخلاق ؛لتحل فيما بعد كبديل للتربية الدينية ، والتي خرجت أصوات كثيرة ليست فوق مستوى الشبهات تنعق بضرورة استبعادها من المناهج الدراسية ،ولم يكن كل ذلك ببعيد عن الضغوط التي مورست على الدول الإسلامية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، ومما يدعم الرأي الذي يقول بأن عمليات التطوير التي حدثت على مدى العقدين الأخيرين تحديدا لم تكن بعيدة عن الإفساد المتعمد ، أن الدول التي تم اجتزاء تجاربها لتطبيقها في مصر ،كالولايات المتحدة واليابان مثلا تضع شروطا صارمة للنظم التعليمية بها تتعلق بالإطار العام للتعليم والذي لا يجوز المساس به ، كما أن هذه الدول تولي اهتماما غير عادي لتعليم اللغة الأم وتدريسها لدرجة أن اليابان مثلا لا تدرس بها لغة أجنبية في المرحلة الابتدائية والإعدادية -حتى سن السادسة عشرة - حتى يستوعب الطالب لغته الأم استيعابا كاملا ،بينما نرى اللغات الأجنبية في مصر يتم تدريسها بدءا من مرحلة رياض الأطفال ، ولا يخفى مغزى ذلك على أحد ،وليس أدل على استهداف اللغة العربية في التعليم المصري من الشعار الذي رفعته الوزارة وكان عبارة عن جملة عامية من الركاكة بمكان تقول (( إيدك في إيدنا نطور تعليم ولادنا ))وكأن اللغة العربية الفصيحة قد عقمت عن أن تنجب جملة تؤدي الغرض دون إخلال بالمضمون ، فكيف نرجو خيرا من سياسات تعليمية تستهدف لغة الأمة بالإقصاء تارة ،وبالتسفيه تارة أخرى وتدعمها في ذلك وسائل الإعلام التي دأبت ومنذ عقود طويلة على السخرية من اللغة العربية ومعلميها ... والأخطر من كل ما سبق هو فتح الباب على مصراعيه أمام المدارس الأجنبية ، والخاصة على تنوع مسمياتها ومراميها واختلاف مناهجها ،مما أوجد حالة من الالتباس الشديد لدى الأجيال الجديدة بشأن كثير من المفاهيم التي كنا نعدها من قبل من الثوابت ،مثل قيم الانتماء والاعتزاز بالعروبة وغير ذلك ، ولا شك أن توحيد التعليم العام خاصة في مرحلة ما يسمى بالتعليم الأساسي ،لهو من أهم دعائم بناء الشخصية المصرية ،وإعدادها لمواجهة تحديات المستقبل ، ويبدو أن كل ذلك خارج عن اهتمامات الدولة المصرية الآن والتي تصب الآن جل اهتمامها لتحرير الجندي الإسرائيلي الأسير ((جلعاد شاليط )) .

هناك 10 تعليقات:

محمد فاروق الشاذلى يقول...

التعليم هو أخطر مراحل تشكيل شخصية الإنسان فهو يقضى بالمدرسة 12 عام من حياته تمثل مراحل مختلفة لتكوين الشخصية وفى خلال هذه المرحلة يستقى الإنسان أغلب أفكاره ومبادئه بالإشتراك مع الأسرة والبيئة المحيطة فإذا أصاب التعليم خلل من أى نوع فهو بالضرورة سيؤدى إلى خلل فى شخصية الإنسان مما يعنى أننا نربى أجيال مشوهة الشخصية وعديمة المبادئ أو على الأقل ضعيفة المبادئ نتاج هذا الخلل التعليمى.

نتمنى أن ينتبه القائمون على العملية التعليمية لذلك ويسرعوا باتخاذ الاجراءات اللازمة لمواجهة هذا الخطر وحتى يحين هذا الوقت فعلى الأسرة أن تغرس القيم التى فشل التعليم فى غرسها فى نفوس الطلاب وأن تصر الأسرة على تلقين أبنائها كل المبادىء الصحيحة التى يجب أن يتحلى بها الإنسان حينما يكبر.

الكحيان يقول...

ذكرتني وزير التعليم السابق الذي كان مشهورا ببهاء الماسوني، وقد قرأت تحقيقا صحفيا في أوائل عهده - ندمت أنني لم أحتفظ به- أكد فيه أنه لا يجوز تعليم أطفال المراحل الأولى لغات أخرى غير اللغة الأم، وأكد أن هذا ما يؤكده علماء التربية في كل أنحاء العالم، وأن هذا هو ما تعمل به الدول المتقدمة وهذا ما نعمل به ولن نحيد عنه؛ لأنه لا ينبغي أن تزاحم اللغة الأم لغة أخرى في هذه المرحلة، ولكن الماسوني قبل أن يرحل فعل فعلته وخالف فعله قوله، وقرر تدريس اللغات في المراحل الأولى ولم يخبرنا لماذا فعل ذلك ؟ .

أماعن السبب في هذا التخريب فأؤكد لك عن يقين أن أمريكا بالتحديد تقف وراءه ولولا ضيق المقام لذكرت لك مثالا مما فعلته بعد 11 سبتمبر وقد كنت شاهدا على جزء من الجريمة وحاولت قدر استطاعتي متخفيا أن أزيح بعض الضرر، وأن أتلاعب في بعض المترجمات التي تقدم كمنحة مجانية لأطفال المدارس عندنا، أرجو أن تستمر في فتح هذا الملف خاصة في ظل الأزمات الحالية للتعليم مع تحياتي

ماهرالشيال يقول...

أخي أبو رقية ... تحياتي أيها النبيل
الحقيقة أن التعليم في مصر استهدف بالتخريب الذي أسموه زورا بالتطوير ،وأنا أعمل في مجال التعليم وأستطيع أن أزعم أن أوضاع التعليم في مصر بلغت حدا غير مسبوق من التردي ،الطلاب أصبحوا في منتهى التفاهة والانحطاط الخلقي إلا من رحم ربي ،المعلمون أصيبوا بلا مبالاة لا نظير لها
الإدارات المدرسية أصبحت تشكيلات عصابية لا هم لها سوى جمع المال واستغلال أولياء الأمور وتبديد الميزانيات بالاختلاس تارة وبالإهدار تارة أخرى ،مع الحرص على تظبيط الأوراق ، المناهج الدراسية أصبحت خليطا غير متجانس لا يؤدي إلى معرفة حقيقية ،وضع بالغ السوء ،ولا حل له في المستقبل المنظور ... وحسبنا الله ونعم الوكيل .

ماهرالشيال يقول...

أخي الكحيان ..تحياتي
آسف جدا لأني ذكرتك ببهاء الماسوني الذي
أسهم بجهد لا ينكر قي تخريب التعليم في مصر
ومن قبله الدكتور شرور الذي لا زال متصدرا المشهد السياسي ،ونسال الله أن يختفي كسلفه الماسوني ، أما من جاء من بعدهما فتصدق فيهم مقولة الجاسوس الذي شغل منصبا هاما في حكومة السوفيت وكان يعمل لحساب الولايات المتحدة حينما أوجز مهمته في جملة بليغة (( كان علي دائما أن أختار الأسوأ)) يعني الأقل كفاءة والأكثر أخطاء ، ووزير التعليم الحالي
خير مثال فهو كما يقولون لا هو في العير ولا في النفير ، ولايستطيع أن يميز بين الألف وكوز الذرة ومع ذلك لا يكف عن
التحديث في العملية التعليمية وفق رؤيته المضببة ،حتى أنه شوهد ذات مرة وهو يحدث على روحه ،فهل تظن يا أخي الكريم أن المنتج التعليمي في مصر يصلح
لشيء إلا أن يطرح خارجا ويداس بالأقدام
هذه هي الحقيقة ...لنا الله .

Unknown يقول...

كنت اقرأمقالا في نفس الموضوع عند المعيد...(الكحيان)و دفعني اليك بارك الله لكما ...نعم أعرف الكثير من خطوره ما يبيت بظلام للتعليم بهذا البلد ...ولكني لست من اهل المهنه ولا يفتي عندكما..حضرتك ..والاستاذ المعيد..
رحم الله هذا البلد ...لك كل الحب والتقدير.

اقصوصه يقول...

التعليم في اغلبية الدول العربيه سيئ

والتطوير فيه للاسف تطوير سلبي

لان كافه التغييرات التي تجرى عليه

هي مجرد استنساخ مشوه للتعليم الغربي

ترى متى يملك العرب القدره على الاستقلال؟

ماهرالشيال يقول...

العزيز فركشاوي ..ناوي

تحياتي

مشكور مرورك السريع ، ومشكور من دلك

علينا صديقي الحقيقي الكحيان ،والذي

أتواصل معه وأسعد بما يكتب ، تحياتي

مجددا أيها الصديق .

ماهرالشيال يقول...

العزيزة أقصوصة ... تحياتي

حال التعليم في مصر أسوأ بكثير من أي دولة عربية ،وأنا أعلم تما م العلم أن
التعليم في بعض دول الخليج قد خطا خطوات واسعة نحو الجودة الحقيقية ،وأنا شخصيا أرى أن أزمة التعليم المصري تكمن ،في آفة عربية صميمة ،ألا وهي تقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة ... تحياتي مجددا

فشكووول يقول...

التعليم اصبحت كلمه .. عباره وليست معنى .. التعليم اصبح تاريخا .. التعليم اصبح هم وغم ونكد لكل المصريين التعليم اصبح مرتعا خصبا للتجارب الفاشله التعليم .. يا دهوتنا ويا وكستنا ويا غمنا ويا همنا خريج الجامعه يخطأ فى كتابة اتفه الكلمات .. خد عندك احنا المصريين معظما ننطق الجيم (يسميها الانجليز جيم قاهريه ) فنقول كلمة جميل هكذا ( كميل او قميل ) نقولها قاهريه .. تصور الولاد اليومين دول بيكتبوها قاهريه ومش عارفين انها مفروض تنكتب الجيم المعطشه خربوها من يوم ما ابتدوا يلعبوا فيها ولغوا سادسه ابتدائى وهما من يومها وعمالين يخربوا فيها والفصول الستينيه واحواش المدارس اللى بقت فصول والفصول اللى زى علب السردين والمدرسين نفسهم ما بيعرفوش يكتبوا صح .. الله يرحم ايام الكتاب اللى الكحيان كاتب عنه .. انا برضه رحت الكتاب ده وكنت حافظ نصف القرأن قبل دخولى اولى ابتدائى .. ما علينا .. انت بطلت تيجى عندى تشرب شاى واللا قهوه ليه .. انا ياعم وفيت بوعدى وبدأت اكتب عن الشخصيات المصريه فى التاريخ القريم والمعاصر .. بس الكحيان مش سايبنى فى حالى .. نازل في نقد على أخره .. زى بعضه حاستحمله آهو برضه اذا كان عنده حاجه يقول لنا عليها يفيدنا برضه.. مستنيك

ماهرالشيال يقول...

العم العزيز فشكول .... تحياتي
أولا أعتذر عن تأخري عن زيارة مدونتكم
الغراء للاطلاع على آخر المقالات ،وخصوصا
أني أحد أصحاب الدعوة لشخصكم الكريم
بالكتابة عن التاريخ المصري وشخصياته التي صنعت أحداثه ، وسوف ألبي دعوتكم الكريمة في أسرع وقت ، وبالنسبة للتعليق
على حال التعليم في مصر أقول أن التعليم المصري بلغ الدرك الأسفل من الفشل
ولا سبيل إلى إصلاحه في المدى القريب ،والواضح ومن خلال تجربتي في التعليم
أن فساد منظومة التعليم كان هدفا أساسيا لنظام مبارك من أجل تغييب
الأجيال القادمة عن الواقع المأزوم
الذي صنعته سياسات مبارك وعصبة الشر الحاكمة ... المهم الفساد عندما يصيب
كافة قطاعات الدولة فهذا معناه أن الحزب الوطني بخير .... من الحق لو كنت تابعت المؤتمر الخامس لحزب اللصوص يا ريت تقولي انطباعاتك ....... تحياتي مجددا
ماهر