الجمعة، 3 أكتوبر 2008

بيننا وبينهم الجنائز

كنت قد انتويت أن أكتب عن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في ذكرى وفاته ، ولكني انشغلت بالكتابة عن جرائم نظام مبارك المتتالية والتي لا تترك للمرء وقتا للكتابة عن غيرها ، فلقد استمرت حرائق النظام ،فتلى حريق المسرح القومي ،حريق الشورى ، وتبع اختطاف السياح الأجانب، اختطاف البحارة المصريين من قبل القراصنة الصوماليين ، ثم ما تلا ذلك من أكاذيب ساقها المسئولون المصريون عن بطولات مزعومة في تحرير السياح والبحارة المصريين ، ما لبثت أن فضحتها وسائل الإعلام العربية والغربية ، وفي أول أيام عيد الفطر المبارك ، شاهدت الحلقة الأخيرة من مسلسل ناصر ، فعاودني الحنين من جديد للكتابة عن الزعيم الرمز ، وكنت قد طالعت الأحدالماضي في جريدة العربي مقالة الصديق المهندس أبو العلا ماضي عن الراحل الكريم ، وقمت بقراءتها مجددا اليوم على موقع حزب الوسط المصري ، وأعجبت بالمقال أيما إعجاب ورأيت أنه من الواجب على أن أضع هذا المقال الرائع على هذه المدونة اعترافا مني بفضل الرجلين ، حيث أنني أدين بالفضل لكلا الرجلين ، فالزعيم العظيم جمال عبد الناصر ، هو رائد الوطنية الحقيقية ،وناصر الفقراء ، وسيبقى بإذن الله رمزا خالدا رغم أنف المتطاولين ، أما الكاتب المهندس أبو العلا ماضي ، فالحديث عن فضله لايتسع له المقام ، لا أريدأن أطيل عليكم ، وإليكم المقال :-

بيننا وبينهم الجنائز

في يوم الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 تنبه كاتب هذه السطور وهو لم يكمل بعد عامه الثالث عشر على صوت والده يصرخ بأعلى صوته "يا أبويا" فسألت فزعًا وأنا أعرف أن جدي قد توفاه الله قبل أن أُولد فعلمت أن الرئيس جمال عبد الناصر قد مات وبكى والدي وبكينا معه بحزن حقيقي، وخرجت مع أقراني مسرعًا إلى شوارع مدينتنا "المنيا" في صعيد مصر فإذا بطوفان يضم عمالا وفلاحين ومهنيين والأغلبية الكاسحة منهم من الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى ساروا جميعًا في جنازات مهيبة تطوف شوارع المدينة وتملؤها عن آخرها وهى تردد كلمات مازالت تتردد في أذني "الوداع يا جمال.. يا حبيب الملايين"، وظل الحال كذلك حتى حل ظلام الليل علينا، أمواج من البشر تبكى وتسير بغير هدى حزنًا على فقيدها الزعيم جمال عبد الناصر، وقد تكرر هذا المشهد كما علمنا بعد ذلك في كل مدن مصر وقراها ومحافظاتها، ناهيك عما جرى في العاصمة القاهرة التي زحفت إليها الجماهير بكل أنواع المواصلات وخاصة القطارات لتشارك في وداع الزعيم ناصر.

ومرت السنون فأضافت لعمر الصبي وقرأ في شبابه وتابع الصراع الذي دار حول قيمة وأثر الرئيس جمال عبد الناصر وتأثر سلبًا بمواقف خصومه التاريخيين في الحركة الإسلامية ثم ما لبث في مرحلة نضجه أن تأمل في تاريخ تلك المرحلة بعين مستقلة فاعتدل الميزان مرة أخرى ليعترف بفضل الرجل وأثره على مصر والأمة العربية وأماكن مختلفة من العالم.

وقد كانت نقطة البداية من الثقافة الإسلامية التي تدرسها أيضًا الحركة الإسلامية فقد تأملت الصراع الذي دار بين الإمام احمد بن حنبل وخصومه حول قضية خلق القرآن، وكيف ثبت الإمام أحمد في وجه التعذيب والسجن والأذى، وفيما قاله الإمام حين سأله ابنه حينما شاهد صولجان خصومه وسأل أباه الإمام عن رأيه في هذه المواكب والهيبة المصنوعة قال الإمام أحمد مقولته الشهيرة لا تغتر يا بني بهذه المشاهد "فبيننا وبينهم الجنائز" وقد صدق الإمام فحين مات خصمه اللدود أحمد بن أبى دؤاده حمل نعشه أربعة أفراد فقط ولم يسر في جنازته أحد في حين عندما مات الإمام أحمد خرج كل أهل بغداد وما حولها لتشييع جنازته في موكب ومشهد مهيب ندر أن يتكرر بهذا الحجم في زمانه بل ظل الناس يأتون للصلاة على قبره من جميع أنحاء الأمة لعدة شهور، ولهذا السبب تحرص الحركات الإسلامية وخاصة تلك التي خاصمت الرئيس عبد الناصر على أن تحشد في جنازات رموزها أعدادًا كبيرة لتستدل على صواب موقفها وأن الحق معها مسترشدة بمقولة الإمام أحمد بن حنبل الشهيرة، وحين تأملت هذا الموقف تذكرت جنازة الرئيس عبد الناصر ومقولة الإمام أحمد وقلت لنفسي بهذا المعيار خروج الملايين في جنازة الرئيس عبد الناصر هي شهادة لصالح الرجل واستفتاء في آن واحد، فكل هؤلاء الناس أو كل الملايين التي عشت بين جزء منهم في جنازة رمزية في بلدنا خرجوا بشكل تلقائي وبحب حقيقي لم يدفعهم إليه أحد ولم يوجههم أحد ولو كان حدث ما كانت الاستجابة بهذا الشكل غير المسبوق، والطريف أنني كنت في الولايات المتحدة الأمريكية بصحبة الأستاذ الدكتور عماد رمزي في عام 2004 وكنا نحاضر معًا في جامعة أنديانا فإذا بسيدة عجوز تأتى إلينا بعد المحاضرة مرحبة بنا وقالت إنني أحب مصر جدًا وأحب الزعيم جمال عبد الناصر وأخرجت من حقيبتها نسخة من جريدة الأهرام في اليوم التالي للجنازة وقد صورت الجريدة مشاهد من هذه التجمعات الضخمة التي شاركت في الجنازة ومنهم من اعتلى أعمدة الإنارة حتى آخرها وشرفات المنازل والأسطح وهى تحتفظ بهذا العدد وتفتخر بهذا المشهد، فابتسمنا على هذا الشعور النبيل من هذه السيدة الأمريكية التي أكدت هذه الصورة غير المسبوقة لجنازة بهذا الحجم في القرن العشرين كله.

فاعتبرت أن مشهد الجنازة هو رد اعتبار للرجل والزعيم بمقياس الإسلاميين أنفسهم، وأنه بالرغم من تقييمه الذي قد يختلف الناس حوله سواء في إيجابياته أو سلبياته إلا أن خروج الملايين لجنازته بهذا الشكل هو استفتاء شعبي حقيقي على حب هذا الرجل وتطبيقًا لمقولة الإمام أحمد "بيننا وبينهم الجنائز".

هناك 13 تعليقًا:

مـــالك يقول...

أستاذي ماهر
ولو إني مليش في السياسة أوي ويمكن كمان لأني معاصرتش اللحظات اللي اتكلمت عنها لا من قريب ولا من بعيد
ويمكن كامن مقصر شوية في قراءة التاريخ
إلا إن الكلام اللي أورده المقال يظل صحيحا
ومقولة الامام أحمد رائعة بكل المقاييس
وإن كان صاحب الحق لن يرى جنازته....!!!
مقالة جميلة
ومدونة أجمل
دمت بخير

ماهرالشيال يقول...

أخي مالك
أشكرك على مشاركتك وربنا يجبر بخاطرك يا مالك ،شوف ياصديقي ، أنا لأول مرة أضع على مدونتي كلام حد تاني ،بس كلام المهندس أبو العلا ،شهادة واحد من أهم رموز الحركة الإسلامية في مصر ، والشهادة في حق عبد الناصر وما أدراك ما عبد الناصر ،عبد الناصر أكتر واحد اتهمه الإسلاميون بكل التهم الممكنة بدءا من الزندقة وليس انتهاءبالعمالة والخيانة ولما ييجي النهارده أبو العلا ماضي يشهد الشهادة دي يبقى واجبنا وإحقاقا للحق إننا ننشرها ، كمان حصل حاجة تانية عايز أقولك عليها من أيام تكلم أحمد رائف أحد مؤرخي الإخوان وقال إن حادث المنشينة ( محاولة اغتيال عبد الناصر ) كان بحق وحقيقي ولم يكن مدبرا ،تصور إن كل هذه الأكاذيب عن شخص عبد الناصر ،روجت وانفق على نشرها ببذخ في كتب ومطبوعات وروايات وأفلام سينما ومسرحيات بدعم مباشر من صديقه المعروف باسم شحاته المعسل . عرفت بقى يامالك .....تحياتي .
ماهر

محمد فاروق الشاذلى يقول...

رغم أنى بشكل شخصى لا أميل إلى حب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلا أن ذلك لا يعنى إنكار دوره الكبير فى حركة التاريخ المصرى وأيا ما كان سبب اختلافى مع أفكاره إلا أننى لا أنكر أننا فى حاجة شديدة لشخص فى قامة عبد الناصر ليعيد لمصر هيبتا ومجدها المفقودين فله الرحمة والمغفرة

ماهرالشيال يقول...

العزيز قلب مصري أولا تحياتي ثانيا أنا سعيد بتشريفك مدونتي ثالثا الصورة جميلة تفتح القلوب الطيبة على حب الناس الطيبين ولاد مصر الأصليين ،زيك كده وزي جمال عبد الناصر الله يرحمه ، وعلى فكرة أنا كنت زيك كده ،بس لما قريت عنه من المصادر التي أزعم صدقها ،عرفت إنه كان مصري بحق وحقيقيى ،وكمان كان نظيف اليد ومات مديون للحكومة بتمن شوار بنته ، معلش يا صديقي رجاء خاص من أخوك تعيد التعرف على الزعيم ، وكل الشكر لك على تشريفي بتعليقك الجميل والموضوعي .....تحياتي
ماهر

عُمر يقول...

قتلناك .. يا آخر الأنبياء قتلناك ..
قتلناك .. يا آخر قنديل زيت ..
يضيء لنا في ليالي الشتاء ..

الكحيان يقول...

الزميل الرائع : ماهر

مسألة الجنائز هذه لا يجوز أن تكون معيارا صحيحا سليما، لأن أي إنسان يكون ملء السمع والبصر من الطبيعي أن نرى جنازته ضخمة بصرف النظر عن حسن سيرته أو سوء سيرته فهل جنازة سعاد حسني أو مارلين مونرو أو الأميرة ديانا مثلاأو الملك حسين أو ياسر عرفات تدل على حسن سيرتهم ؟؟ لا أعتقد .. ثم لا تنس أن شعبنا عاطفي فيه نسبة أمية عالية تغلب عليه الغوغائية وهو شعب له أذنان كبيرتان كما تعلم ورئيسنا الراحل كان صناجة وكان ظاهرة صوتية تستحق الدراسة، وبصرف النظر عما قدم وأخر نحن تهمنا كرامة الإنسان المصري وحريته من يرتفع بها فله منا كل الحب والتقدير ويستحق أن نملأ الميادين بتماثيله وأ نترحم عليه أما من يركل آدميته ويلغي حريته ويفتح له أفواه السجون ويلغي ديمقراطيته بأي حجة ويتسبب له في الكوارث في حياته وبعد مماته فهذا من وجهة نظري لا يستحق الالتفات إليه فضلا عن تقديسه وتمجيده واجترار سيرته ليل نهار ، وأما عن الجنازة القادمة - إن تم التوريث - فأؤكد لها أنه ستكون ضخمة للغاية والأيام بيننا مع تحياتي

ماهرالشيال يقول...

زميلي النبيل/ الكحيان
أولا : أشكرك على زيارة مدونتي ، وأرجو أن تكرر الزيارة كلما تيسر ، فإن ذلك لمن دواعي سروري ، كما أرجو منك أخي الكريم أن تسرع بالكتابة عن تداعيات المؤتمر الحاشد ، الذي تناول الغايات والمقاصد ، في دحض قول القائل بأن الدروس الخصوصية عمل فاسد ، ولك عظيم الأجر أيها المقاوم الصامد .
ثانيا : بخصوص ما جاء في تعليقك ، لا أرى أن هناك وجها للمقارنة بين جنازة جمال عبد الناصر الذي أحبه أغلب المصريين البسطاء ،وبكت عليه شعوب الأمة العربية من المحيط إلى الخليج ،بل وبكاه الثوار في أقصى الأرض في أمريكا اللاتينية ،وبين جنازة سعاد حسني ومارلين مونرو والأميرة ديانا ،وحسين وياسر ،وذلك لاعتبارات كثيرة ، منها أن سيرة الراحل الكريم حفلت بالانحياز الواضح للفقراء ، ونصرة المظلومين في شتى بقاع الأرض ، وبالنسبة لغياب الديمقراطية في الحقبة الناصرية ، فلابد أن نتناول الموضوع في سياقاته الزمنية وظروف وملابسات الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي ،للمنطقة العربية ،فمن الخطأ أن نحاكم تجربة تاريخية بمقاييس اليوم ، كما أن كثيرا مما كتب عن الرجل شابه التجني ومجانبة الإنصاف ، ولا تعتقد يا صديقي أني من دراويش الرجل ، ولكني أرى أنه أصاب وأخطأ ،وكما كان عظيما كانت أخطاؤه عظيمة ، لكن الواقع المأزوم الذي نعيشه منذ ثلاثين سنة يجعلنا نعيد النظر فيما كنا نعتقد أنه مسلمات .
تحياتي
ماهر

كلام على بلاطة يقول...

كل عام وانت بخير

مجلة سيكولوجية مصرية يقول...

جميل أن يحكى الانسان ذكرياته وخصوصا
اذا كانت تشترك مع ذكريات أمه كامله

تحياتى

-----------------------------

أنت على موعد لزيارة مجلة سيكولوجية مصرية

وهذه الدعوة موجهه لكل زوارك

http://psychologyegypt.blogspot.com

فى انتظارك

أسرة المجلة

ماهرالشيال يقول...

أخي أحمد مصطفى
تحياتي أيها النبيل
مشكور على المرور السريع ، ودعوة مقبولة يا صديقي وأنا لبيت الدعوة ،وشكلها مدونة جامدة جدا ، أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد .
تحياتي مجددا
ماهر

فشكووول يقول...

انا كتبت تعليق امبارح لكن ماظهرش عندك ليه ان شاء الله يكون خير لكن ما فيش مانع اكتبه تانى النهارده .. بخصوص عبد الناصر .. اظن واغلب الظن اثم اننا ما زال يحكمنا عبد الناصر عشان ما فيش حاجه اتغيرت فى طريقة الحكم من ايامها وما زال الاتحاد الاشتراكى هو الذى يحكمنا .. وما زالت ثقافة الميثاق هى التى تجرى فى عروق حكامنا .. لكن يشفع لعبد الناصر انه كان بيحب بلده بجد بس ما عرفش ايه الصح اللى يحكم بيه بلده

ماهرالشيال يقول...

عزيزي فشكول أولا المدونة نورت بتشريفك لها بالتعليق ، ثانيا لست معك على الإطلاق أخي الكريم أن ناصر مازال يحكمنا فناصر يا عمنا ذهب وذهبت أيامه ،ولا ذنب لهذا العاشق النبيل لتراب الوطن أن الذين كانوا على عهده هم أساطين الاتحاد الاشتراكي ، تحولوا بعد موته خدما لنظام السادات ورموزا لنظام مبارك ودعني أقول لك أن حبي لناصر الذي ولدت بعد رحيله له أساس عاطفي أكثر من أساسه الموضوعي وهذه هي الحقيقية .
تحياتي

Mahmoud يقول...

ناصـــــــــــــــر الى اااالابد