الثلاثاء، 3 مارس 2009

من الدولة الراعية إلى الدولة الجابية


تمر الدول بأطوار متعددة تتراوح ما بين القوة والضعف ، ويمكن رصد حالة الدولة المصرية عبر السنوات الخمسين الماضية ، وكيف تحولت من دور الدولة الراعية التي تقوم بدورها تجاه مواطنيها من منطلق ما تبنته من سياسات تعتمد المبادئ الاشتراكية ، إلى دور الدولة الجابية التي لا هم لها إلا جمع الأموال مستخدمة في ذلك كل أشكال النهب المنظم والمقنن بل والعشوائي أيضا في أحيان كثيرة ، في غياب سياسات واضحة المعالم ،تستورد من كل ما هو قائم من النظم الاقتصادية أسوأ ما فيها ، حتى أنه قد يخيل للبعض أن النظام ينهي المرحلة بنفسه في أكبر عمليات النهب الممنهج في تاريخ مصر ، وأظن أن مصر عبر تاريخها قد لعبت أدوارا عديدة يمكن القول أنها تحركت فيها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والعكس ،وكانت هذه الأدوار تقوم في بعضها على الادعاء تارة وعلى الإيمان بالدور الرائد وانطلاقا من تحمل المسئولية تارة أخرى ، والواضح أن هناك من المؤشرات ما يؤكد على حقيقة أن مصر كلما اضطلعت بدورها تجاه أمتها العربية ودورها الإقليمي ،كلما كانت في طور الدولة الراعية بالنسبة لأبنائها ،وأنها كلما انكفأت على ذاتها متخلية عن مسئوليتها تجاه عروبتها كلما دخلت في طور الدولة الجابية ،ما يؤكد هذا ما حدث بعد حرب العبور ، والتي قيل وقتها أنها آخر الحروب ، وقتها ردد الكثيرون أنه قد آن لمصر أن تعرف الرخاء والسلام الذي تنعم به غيرها من الدول العربية غير وثيقة الصلة بالصراع ، ومنذ أن قيل هذا الكلام ومصر من سيئ إلى أسوأ ، فبدءًا من سياسات الانفتاح الاقتصادي التي انتهجتها مصر في السبعينات وأدت إلى إحداث تغيرات خطيرة في بنية المجتمع المصري ، وما ترتب على هذه السياسات أيضا من سيادة ثقافة الاستهلاك ، وتراجع قيم بعينها كاحترام العمل ودعم القوى المنتجة في المجتمع ،كما تزامن ذلك مع شيوع الروح الانهزامية وضياع الانتماء بين فئات المجتمع ،وخاصة الشباب ،والذي أدى فيما بعد إلى مغادرة أعداد كبيرة من الشباب أرض الوطن ؛ باحثين عن تحقيق الحلم في دول النفط أو الدول الأوربية ، وما ترتب على ذلك من استلهام ثقافات مغايرة زادت فيما بعد من تشرذم المجتمع ، وانقسامه على ذاته ، ومن خلال رصد هذه الظواهر نستطيع أن نخلص إلى أن الأزمة التي يعانيها المجتمع المصري ترجع إلى ما يمكن تسميته بالاغتراب عن الهوية المصرية ، فحين تتراجع قيم الثقافة الوطنية ، فإنها تفسح المجال للفساد بكل أشكاله ، وكما هو معلوم فإن الفساد إذا ساد – كما هو حادث الآن- فإن هدم الثوابت الوطنية يصبح من أهم دعائم بقائه واستمرار وجوده ، إذ يصبح كل شيء خاضع لقانون السوق ، حيث يتم تسليع كل شيء ، وتشيئ الإنسان ذاته ، وإذا نظرنا إلى كل هذه المتغيرات سنجد أنه ربما لا يكون فيما سبق أي جديد إذ أن الدول تمر بمثل هذه الفترات على مر تاريخها ،وتستطيع من خلال الإصلاح والتعديل أن تتجاوز مراحل الضعف ،لتبدأ من جديد ،لكن هذه التفسيرات ربما لا تصبح دقيقة بالنسبة لمصر ،إذ وضعنا في الاعتبار أن مصر بكاملها قد انسحبت عن عمد من أهم أدوارها في الخارج (ريادة الأمة العربية وقيادتها )وفي الداخل التخلي عن دور الدولة الراعية انتقالا إلى دور الدولة الجابية ،بل والناهبة في أحيان كثيرة ،عندما نرى جميعا أن كل هذا يحدث لصالح أفراد بعينهم ربما لا يتعدون العشرات ،لا بد أن يستقر في وعينا جميعا أن ما يحدث لمصر هو شكل من أشكال الاستلاب وليس شكلا من أشكال الحكم الشمولي أو الديكتاتورية لأننا نعلم جميعا أن الأنظمة الشمولية كانت تتمسك دائما بأدوار الدولة الراعية ، بينما في مصر تقوم الأمور على أشياء أخرى كالإهدار والإفقار والإمراض والإرهاب وهذا هو شأن المستخرب الذي تنشد الأمة بأسرها خلاصها في نهايته ..... فمتى ؟

ليست هناك تعليقات: